رأي الرائي؛ أي: لتقارب ما بينهما يشك الرائي في ذلك. هذا؛ وتقدير الكلام: فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين. فحذفت هذه المتضايفات، كما قال أبو علي الفارسي في قول كلحبة العرني اليربوعي وهو الشاهد رقم [١٠٥٧] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الطويل] فأدرك إرقال العرادة ظلعها... وقد جعلتني من حزيمة إصبعا
هذا؛ وقال الكسائي، ونقله عنه الجوهري: أن المراد قوس واحد، فقلبت التثنية بالإفراد، فكان أصله (قابي قوس) ومثل الاية قول الشاعر، وهو الشاهد [١١٩٤] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الطويل] إذا أحسن ابن العمّ بعد إساءة... فلست لشرّي فعله بحمول
فأصل الكلام (فلست لشر فعليه).
{فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى:} الضمير المجرور بالإضافة يرجع إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: إلى جبريل، عليه السّلام. هذا؛ وقال قتادة-رحمه الله تعالى-: أوحى الله إلى جبريل، وأوحى جبريل إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم. ثم قيل: هذا الوحي، هل هو مبهم؟ لا نطلع عليه نحن، وتعبدنا بالإيمان به على الجملة، أو هو معلوم مفسر؟ قولان، وبالثاني قال سعيد بن جبير-رضي الله عنه-قال:
أوحى الله إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم:«ألم أجدك يتيما فآويتك؟ ألم أجدك ضالاّ فهديتك؟ ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟»{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ..}. إلخ
وقيل: أوحى الله إليه: أن الجنة حرام على الأنبياء حتى تدخلها يا محمد! وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك. وهذا الإبهام كثير في الايات القرآنية، مثل قوله تعالى في سورة (طه): {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ}.
{ما كَذَبَ الْفُؤادُ} أي: قلب محمد صلّى الله عليه وسلّم، ويقرأ الفعل بالتخفيف، والتشديد. قال الأخطل التغلبي، وهو الشاهد رقم [٦١] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الكامل] كذبتك عينك أم رأيت بواسط... غلس الظلام من الرّباب خيالا
ورحم الله من قال للجاحظ في مرضه الذي توفي فيه:[الوافر] أترجو أن تكون وأنت شيخ... كما قد كنت أيّام الشّباب؟
لقد كذبتك نفسك ليس ثوب... جديد كالدّريس من الثّياب
{ما رَأى} أي: بعينه تلك الليلة، بل صدقه، وحققه. واختلفوا في الذي رآه. فقيل: رأى جبريل على صورته الحقيقية؛ التي ذكرتها لك فيما سبق. وهو قول ابن عباس، وابن مسعود، وعائشة. وقيل: هو الله عز وجل، ثم اختلفوا في معنى الرؤية، فقيل: جعل بصره في فؤاده،