وهو قول ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: رآه بفؤاده مرتين، وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه حقيقة، وهو قول أنس بن مالك والحسن وعكرمة.
وكانت عائشة-رضي الله عنها-تقول: لم ير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ربه، وتحمل الاية على رؤية جبريل عليه السّلام، فعن مسروق-رضي الله عنه-قال: قلت لعائشة: يا أماه! هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قفّ شعري مما قلت؛ أين أنت من ثلاث؟ من حدثكهن فقد كذب، من حدثك أن محمدا رأى ربه؛ فقد كذب، ثم قرأت الاية:{لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ..}. إلخ رقم [١٠٣] من سورة (الأنعام)، وقرأت:{وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاّ وَحْياً..}. إلخ الاية رقم [٥١] من سورة (الشورى)، ومن حدثك: أن محمدا يعلم ما في غد؛ فقد كذب، ثم قرأت:{وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً..}. إلخ آخر آية في سورة (لقمان)، ومن حدثك أن محمدا كتم أمرا؛ فقد كذب، ثم قرأت:{يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ..}. إلخ الاية رقم [٦٧] من سورة (المائدة)، ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين. أخرجه البخاري، ومسلم.
هذا؛ وفي صحيح مسلم عن أبي ذر-رضي الله عنه-قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هل رأيت ربك؟ قال:«نور أنّى أراه؟». المعنى: غلبني من النور، وبهرني منه ما منعني من رؤيته. وروى أبو العالية قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، هل رأيت ربك؟ قال:«رأيت نهرا، ورأيت وراء النهر حجابا، ورأيت وراء الحجاب نورا، لم أر غير ذلك».
{أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى} أي: أتجادلونه على ما يرى، وذلك: أنهم جادلوه حين أسري به، وقالوا له: صف لنا بيت المقدس، وأخبرنا عن عيرنا في الطريق وغير ذلك مما جادلوه به.
هذا؛ وقرأ حمزة، والكسائي: «(أفتمرونه)» بفتح التاء من غير ألف على معنى: أفتجحدونه؟ يقال:
مراه حقه؛ أي: جحده، ومريته أنا، قال الشاعر:[البسيط] لئن هجرت أخا صدق ومكرمة... لقد مريت أخا ما كان يمريكا
هذا؛ والمماراة، والمراء: الملاحاة، والمخاصمة، والمجادلة. قال تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم في سورة (الكهف) رقم [٢٣]: {فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاّ مِراءً ظاهِراً}.
الإعراب:{ثُمَّ:} حرف عطف. {دَنا:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى جبريل عليه السّلام، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {فَتَدَلّى:}
(الفاء): حرف عطف. (تدلى): فعل ماض، والفاعل يعود إلى جبريل أيضا، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {فَكانَ:}(الفاء): حرف عطف. (كان): ماض ناقص، واسمه يعود إلى جبريل. {قابَ:} خبر (كان). وانظر ما قدرته في الشرح، و {قابَ} مضاف، و {قَوْسَيْنِ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد،