الخمس، وأعطي خواتيم سورة (البقرة)، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات.
(المقحمات: الذنوب العظام؛ التي تقحم أصحابها في النار؛ أي: تلقيهم فيها.
والثاني: رواه قتادة عن أنس-رضي الله عنه-أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«لما رفعت إلى سدرة المنتهى في السماء السابعة. نبتها مثل قلال هجر، وورقها مثل آذان الفيلة، يخرج من ساقها نهران ظاهران، ونهران باطنان، قلت: يا جبريل ما هذا؟ قال: أمّا الباطنان ففي الجنة، وأمّا الظاهران فالنيل والفرات». روى الحديثين مسلم في صحيحه. هذا؛ والسدر: شجر النبق، والنبق ثمر السدر واحده: نبقة.
{عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى:} الإضافة تعريف بموضع جنة المأوى، وأنها عند سدرة المنتهى. قال الحسن: هي التي يصير إليها المتقون. وقيل: إنها الجنة التي يصير إليها أرواح الشهداء. قاله ابن عباس-رضي الله عنه-وهي عن يمين العرش. هذا؛ وانظر ما ذكرته بشأن الجنات في الاية رقم [٧٣] من سورة (الزمر).
{إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى:} في هذه الاية تفخيم جنة المأوى، وتفخيم سدرة المنتهى. قال القشيري: وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما غشيها؟ قال: فراش من ذهب. وفي خبر آخر:«غشيها نور من الله حتى ما يستطيع أحد أن ينظر إليها». وقيل غير ذلك. هذا؛ وفي إبهام الموصول تعظيم الأمر، ومثله:{فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى}. وقال الماوردي في معاني القرآن: فإن قيل: لم اختيرت السدرة لهذا الأمر دون غيرها من الشجر؟ قيل: لأن السدرة تختص بثلاثة أوصاف: ظل مديد، وطعم لذيذ، ورائحة ذكية، فشابهت الإيمان الذي يجمع قولا، وعملا، ونية. انتهى.
قرطبي بتصرف كبير.
هذا؛ وسدرة المنتهى هي شجرة طوبى المذكورة في سورة (الرعد) رقم [٣١]: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}.
{ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى} أي: ما مال بصر النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك المقام، وفي تلك الحضرة المقدسة الشريفة يمينا، وشمالا، ولا جاوز ما رأى. وقيل: ما أمر به. وهذا؛ وصف أدبه صلّى الله عليه وسلّم في ذلك المقام الشريف؛ إذ لم يلتفت إلى شيء سوى ما أمر به. هذا وجه لتأويل الاية، والوجه الثاني: ما زاغ البصر بصعقة، ولا غشية، كما أخبر الله عز وجل عن موسى على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام بقوله في سورة (الأعراف) رقم [١٤٣]: {وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً} وذلك أنه لما تجلى رب العزة، وظهر نوره على الجبل، قطع نظره، وغشي عليه، ونبينا صلّى الله عليه وسلّم ثبت في ذلك المقام العظيم؛ الذي تحار فيه العقول، وتزل فيه الأقدام، وتزيغ فيه الأبصار. فوصف الله عز وجل قوة نبينا، وثباته في ذلك المقام العظيم بقوله:{ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى} وما أحسن قول القائل: [الطويل]