للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأى جنة المأوى وما فوقها ولو... رأى غيره ما قد رآه لتاها

{لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: رأى رفرفا سد الأفق، فقد خرج الترمذي عن عبد الله-رضي الله عنه-قال: رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جبريل عليه السّلام في حلّة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض. وقال: حديث حسن صحيح، وقد تقدم: أنه رآه في صورته له ستمئة جناح.

تنبيه: هذه الايات صريحة في أن النبي صلّى الله عليه وسلّم عرج به إلى السموات العلى، ورأى ما رأى في ملكوت السموات من الايات العظام، فلم يبق مجال للقول: إن الإسراء ثبت بآية (الإسراء) وهي قوله تعالى: {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ..}. إلخ، وإن المعراج ثبت بالأحاديث، بل كلاهما قد ثبت بالايات القرآنية، وصار الحكم على منكر واحد منهما بالكفر حقيقة لا شك فيها، والله الموفق والمعين. والحمد لله رب العالمين.

الإعراب: {وَلَقَدْ:} (الواو): حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف، تقديره: والله، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم. هذا؛ وبعضهم يعتبر الواو عاطفة، وبعضهم يعتبرها حرف استئناف. وبعضهم يعتبر الواو واو الحال، ويعتبرون الجملة الاتية جوابا لقسم محذوف. ولا أسلمه أبدا؛ لأنه على هذا يكون قد حذف واو القسم، والمقسم به، ويصير التقدير: وو الله أقسم، أو وأقسم والله، واللام واقعة في جواب القسم المحذوف، وبعضهم يقول: اللام موطئة للقسم، والموطئة معناها المؤذنة، وهذه اللام إنما تدخل على «إن» الشرطية، لتدل على القسم المتقدم على الشرط، وتكون الجملة الاتية جوابا للقسم المدلول عليه باللام، والمتقدم على الشرط حكما، كما في قوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} الاية رقم [١٢] من سورة (الحشر) افهم هذا؛ واحفظه، فإنه جيد. والله ولي التوفيق.

فإن قيل: ما ذكرته من إعراب يؤدي إلى حذف المقسم به، وبقاء حرف القسم، فالجواب:

أنه قد حذف المقسم به حذفا مطردا في أوائل السور، مثل قوله: {وَالنَّجْمِ} {وَالشَّمْسِ وَضُحاها} فإن التقدير: ورب النجم، ورب الشمس... إلخ، الدليل على ذلك التصريح به في قوله تعالى:

{فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ} الاية رقم [٢٣] من سورة (الذاريات)، وحذف المقسم به ظاهر في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها} الاية رقم [٧١] من سورة (مريم)، وأظهر منه في قوله تعالى:

{وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} الاية رقم [٧٣] من سورة (المائدة)، فالواو في الايتين حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف بلا ريب.

(قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {رَآهُ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل تقديره: «هو»، يعود إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والهاء مفعول به. {نَزْلَةً:}

فيها ثلاثة أوجه: أحدها: أنها منصوبة على الظرف. قال الزمخشري نصب الظرف الذي هو

<<  <  ج: ص:  >  >>