للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعظمونها، ويهلون منها للحج إلى الكعبة. وكان للعرب أصنام كثيرة، وإنما أفردت هذه بالذكر؛ لأنها أشهر من غيرها، فلما دخل الرسول صلّى الله عليه وسلّم مكة فاتحا كان حول الكعبة ثلاثمئة وستون صنما.

هذا؛ والعرب لا تقول للثالثة أخرى، وإنما {الْأُخْرى} نعت للثانية، واختلفوا في وجهها، فقال الخليل-رحمه الله تعالى-: إنما قال ذلك لوفاق رؤوس الاي؛ كقوله تعالى: {وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى} ولم يقل: أخر. وقال الحسين بن الفضل: في الاية تقديم، وتأخير، مجازها:

أفرأيتم اللات والعزى الأخرى، ومناة الثالثة. وقيل: إنما قال: {وَمَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرى} لأنها كانت مرتبة عند المشركين في التعظيم بعد اللات، والعزى، فالكلام على نسقه. وقيل: هي صفة ذم كأنه تعالى قال: ومناة الثالثة المتأخرة الذليلة، فعلى هذا فالأصنام ترتب مراتب، وذلك؛ لأن اللات كان صنما على صورة آدمي، والعزى شجرة، فهي نبات، ومناة صخرة، فهي جماد، فهي في أخريات المراتب. انتهى. خازن.

{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى:} استفهام توبيخي تقريعي، حيث قالوا: الملائكة بنات الله، والأصنام بنات الله، مع أنهم يكرهون الإناث، قال تعالى في سورة (النحل) رقم [٦٢]:

{وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ ما يَكْرَهُونَ،} وقال تعالى في سورة (الصافات) رقم [١٥٣] موبخا ومؤنبا لهم:

{أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ،} وقال في سورة (الطور): {أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ}.

{تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى} أي: جائرة عن العدل، خارجة عن الصواب، مائلة عن الحق، حيث جعلتم لربكم ما تكرهون لأنفسكم، يقال: ضاز في الحكم؛ أي: جار، وضازه حقه، يضيزه ضيزا؛ أي: نقصه وبخسه. قال امرؤ القيس: [الرجز] ضازت بنو أسد في حكمهم... إذ يجعلون الرأس كالذنب

هذا؛ ويقرأ: «(ضئزى)» بهمزة ساكنة، ومعنى ضأزه، يضأزه: نقصه حقه ظلما، وجورا، وهو بمعنى الأول، وفي المختار: ضاز في الحكم: جار، وضازه فيه: نقصه، وبخسه، وبابهما: باع.

قال محمد علي الصابوني: وفي القرآن لفظة غريبة، هي أغرب ما فيه، وما حسنت في كلام قط إلا في موقعها فيه، وهي كلمة: {ضِيزى} ومع ذلك فإن حسنها في نظم الكلام من أغرب الحسن، ومن أعجبه، ولو أردت اللغة العربية ما صلح لهذا الموضع غيرها، فإن السورة التي هي منها، وهي سورة (النجم) مفصلة كلها على الياء، فجاءت الكلمة فاصلة من الفواصل، ثم هي في معرض الإنكار على العرب؛ إذ وردت في ذكر الأصنام، وزعمهم في قسمة الأولاد، فإنهم جعلوا الملائكة، والأصنام بنات لله، مع وأدهم للبنات، فقال تعالى: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى} فكانت غرابة اللفظ أشد الأشياء ملاءمة لغرابة هذه القسمة؛ التي أنكرها، وكانت الجملة كلها كأنها تصور في هيئة النطق بها، الإنكار في الأولى، والتهكم في

<<  <  ج: ص:  >  >>