{أَلاّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} أي: كل نفس ظلمت نفسها بكفر، أو شيء من الذنوب، فإنما عليها وزرها، لا يحمله عنها أحد، كما قال تعالى في سورة (فاطر) رقم [١٨]: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى} والمعنى: لا تؤخذ نفس بإثم غيرها. وفي هذا إبطال قول من ضمن للوليد بن المغيرة: أنه يحمل عنه الإثم، وانظر شرح الاية في سورة (فاطر).
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كانوا قبل إبراهيم يأخذون الرجل بذنب غيره، ويأخذون الولي بالولي في القتل، والجراحة، فيقتل الرجل بأبيه، وابنه وأخيه، وعمه وخاله، وابن عمه، وقريبه، وزوجته، وزوجها وعبده، حتى كان إبراهيم-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-فنهاهم عن ذلك، وبلغهم عن الله تعالى:{أَلاّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى}.
{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى} أي: إلا ما عمل، وهذا في صحف إبراهيم، وموسى أيضا.
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة بقوله تعالى في سورة (الطور) رقم [٢١]: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الاباء. وقيل: كان ذلك لقوم إبراهيم وموسى، فأما هذه الأمة؛ فلها ما سعوا، وما سعى لهم غيرهم، لما روي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-أن امرأة رفعت صبيّا لها، فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال:«نعم، ولك أجرا». أخرجه مسلم. وعنه: أن رجلا قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن أمي توفّيت؛ أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال:«نعم». وعن عائشة-رضي الله عنها- قالت: إن رجلا قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن أمي افتلتت نفسها، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال:«نعم». أخرجاه في الصحيحين.
وفي حديث ابن عباس-رضي الله عنهما-دليل لمذهب الشافعي، ومالك، وأحمد، وجماهير العلماء: أن حج الصبي منعقد صحيح يثاب عليه، وإن كان لا يجزيه عن حجة الإسلام، بل يقع تطوعا. وقال أبو حنيفة-رحمه الله تعالى-: لا يصح حجه، وإنما يكون ذلك تمرينا للعبادة. وفي الحديثين الاخرين دليل على أن الصدقة عن الميت، تنفع الميت ويصله ثوابها، وهو إجماع العلماء، وكذلك أجمعوا على وصول الدعاء، وقضاء الدين للنصوص الواردة في ذلك، ويصح الحج عن الميت حجة الإسلام، وكذا لو أوصى بحج تطوع على الأصح عند الشافعي.
واختلف العلماء في الصوم إذا مات، وعليه صوم، فالراجح جوازه عنه للأحاديث الصحيحة فيه، والمشهور من مذهب الشافعي: أن قراءة القرآن لا يصله ثوابها. وقال جماعة من أصحابه:
يصله ثوابها، وبه قال الإمام أحمد، وأرجو من الله أن يصله ثوابها، وأما الصلوات وسائر التطوعات؛ فلا يصله عند الشافعي، والجمهور. وقال أحمد: يصله ثواب الجميع. والله أعلم.