هذا؛ وكما يكون البكاء من الحزن، يكون كذلك من الفرح، فقد بكى الصديق-رضي الله عنه- حينما سأل الرسول صلّى الله عليه وسلّم الصحبة، والرفقة في الهجرة. فقال له صلّى الله عليه وسلّم:«نعم». قالت عائشة-رضي الله عنها-: وما كنت أحسب أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر، ورحم الله من قال:[الكامل] ورد الكتاب من الحبيب بأنّه... سيزورني فاستعبرت أجفاني
غلب السرور عليّ حتى إنني... من فرط ما قد سرني أبكاني
يا عين صار الدمع عندك عادة... تبكين من فرح ومن أحزان
وكذلك لما قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم لأبي بن كعب-رضي الله عنه-: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ..}. إلخ». بكى من الفرح. وقال: وسماني؟! قال:
«نعم». وفي سفر السعادة قال العلماء: البكاء على عشرة أنواع: بكاء فرح، وبكاء حزن لما فات، وبكاء رحمة، وبكاء خوف لما يحصل، وبكاء كذب، كبكاء النائحة، فإنها تبكي بشجو غيرها، وبكاء موافقة بأن يرى جماعة يبكون، فيبكي مع عدم علمه بالسبب، وبكاء المحبة، والشوق، وبكاء الجزع من حصول ألم لا يحتمله، وبكاء الخور والضعف، وبكاء النفاق، وهو أن تدمع العين؛ والقلب قاس.
وأما التباكي، فهو: تكلف البكاء، وهو نوعان: محمود، ومذموم، فالأول: ما يكون لاستجلاب رقة القلب، وهو المراد بقول سيدنا عمر-رضي الله عنه-لما رأى المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر-رضي الله عنه-يبكيان في شأن أسارى بدر: أخبرني ما يبكيك يا رسول الله، فإن وجدت بكاء بكيت، وإلا تباكيت؟ ومن ثم لم ينكر عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك. والثاني: ما يكون لأجل الرياء، والسمعة. انتهى. السيرة الحلبية.
فإن قيل: ما الحكمة في قوله: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ} ولم يقل: وأنه هو خلق الزوجين؟ كما قال:{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ،}{وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا} فالجواب: أن الضحك، والبكاء ربما يتوهم أنهما بفعل الإنسان، وكذا الإماتة، والإحياء، وإن كان ذلك التوهم فيهما أبعد، لكن ربما يقول به جاهل، كما قال من حاج إبراهيم:(أنا أحيي وأميت) فأكد ذلك بالفصل، وأما خلق الذكر والأنثى من النطفة؛ فلا يتوهم أحد: أنه بفعل أحد من الناس، فلم يؤكد بالفصل. انتهى. جمل نقلا من كرخي.
{وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا} أي: قضى أسباب الموت، والحياة. وقيل: خلق الموت، والحياة، كما قال تعالى في سورة (الملك): {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ}. وقيل: أمات الكافر بالكفر، وأحيا المؤمن بالإيمان، قال تعالى في سورة (الأنعام) رقم [١٢٢]: {أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا..}.
إلخ، وقال تعالى في سورة (الأنعام) أيضا رقم [٣٦]: {إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ}