للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ والعجب (بضم العين، وسكون الجيم): رؤية النفس، وحقيقته أن يرى الإنسان نفسه فوق غيره علما، أو ورعا، أو أدبا، أو غير ذلك، ويعتقد أن له منزلة لا يدانيه فيها أحد سواه، وهذا هو الكبر الذي يدخل صاحبه جهنم، وبئس المصير! وقد عده الرسول صلّى الله عليه وسلّم من المهلكات في الحديث الذي رواه أنس-رضي الله عنه- «وأمّا المهلكات؛ فشحّ مطاع، وهو متّبع، وإعجاب المرء بنفسه».

{وَتَضْحَكُونَ} منه سخرية، واستهزاء، {وَلا تَبْكُونَ:} خوفا من الوعيد، والعقاب الشديد.

روي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما رؤي بعد نزول هذه الاية ضاحكا إلا تبسما. وقال أبو هريرة: لما نزلت هذه الاية قال أهل الصفة: إنا لله، وإنا إليه راجعون، ثم بكوا؛ حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم بكاءهم؛ بكى معهم، فبكينا لبكائه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يلج النار من بكى من خشية الله، ولا يدخل الجنة مصرّ على معصية، ولو لم تذنبوا؛ لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم، ويرحمهم، إنه هو الغفور الرحيم». رواه البيهقي.

وقال أبو حازم-رضي الله عنه-: نزل جبريل على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعنده رجل يبكي، فقال له: من هذا؟ قال: هذا فلان، فقال جبريل عليه السّلام: «إنا نزن أعمال بني آدم كلها إلا البكاء، فإن الله تعالى ليطفئ بالدمعة الواحدة بحورا من جهنم». وانظر سورة (الرحمن) رقم [٤٦]، وانظر ما ذكرته في آخر سورة (الطارق) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك بعد الإعراب.

{وَأَنْتُمْ سامِدُونَ} أي: لاهون معرضوان. وقيل: هو الغناء بالغة حمير، يقال: سمد له؛ أي:

غنى له، فكانوا إذا سمعوا القرآن يتلى غنوا، ولعبوا؛ حتى لا يسمعوا. وقيل: {سامِدُونَ:}

شامخون متكبرون. وفي الصحاح: سمد سمودا: إذا رفع رأسه تكبرا، وكل رافع رأسه فهو سامد، قال رؤبة بن العجاج يصف إبلا: [الرجز] سوامد الليل، خفاف الأوراد

وقال المبرد: {سامِدُونَ:} خامدون. قال عبد الله بن الزّبير-بكسر الباء-وهذا هو الشاهد رقم [١٨] من كتابنا: «فتح رب البرية» إعراب شواهد جامع الدروس العربية-: [الوافر] رمى الحدثان نسوة آل حرب... بمقدار سمدن له سمودا

فردّ شعورهنّ السّود بيضا... وردّ وجوههنّ البيض سودا

{فَاسْجُدُوا لِلّهِ وَاعْبُدُوا:} المراد به سجود تلاوة القرآن، وهو قول ابن مسعود-رضي الله عنه- وبه قال أبو حنيفة، والشافعي، رحمهما الله تعالى، وقد تقدم أول هذه السورة من حديث ابن عباس-رضي الله عنهما-: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سجد فيها، وسجد معه المسلمون، والمشركون، والجن، والإنس. وقيل: إنما سجد معه المشركون؛ لأنهم سمعوا صوت الشيطان في أثناء قراءة

<<  <  ج: ص:  >  >>