قيل: إنّما أخذ إبراهيم-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-الطيور الأربعة دون غيرها، ولم يعينها له ربّه؛ لأنّ في الطاوس إشارة إلى ما في الإنسان من حبّ الزينة والجاه، وفي النّسر: إشارة إلى شدّة الشّغف بالأكل، وفي الدّيك إشارة إلى شدّة الشغف بحب السّفاد، وفي الغراب إشارة إلى شدّة الحرص، ففي هذه الطّيور مشابهة لما في الإنسان من جميع هذه الأوصاف، وفيه إشارة إلى أنّ الإنسان إذا ترك هذه الصفات الذّميمة؛ ارتقى أعلى الدرجات في الجنّة، وفاز بما يتمنّاه فيها.
{ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً:} مسرعات مشيا، أو طيرانا، {وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ:} قويّ لا يغلبه شيء، ولا يمتنع منه شيء، فما شاء كان بلا مانع؛ لأنّه القاهر لكلّ شيء، وما لم يشأ لم يكن.
{حَكِيمٌ} في أفعاله، وأحكامه، وقضائه، وقدره. بعد هذا: أما {الطَّيْرِ} فهو اسم جنس جمعي، مثل: خيل، وغنم، وقيل: بل هو جمع طائر، مثل: صحب، وصاحب، ويصحّ إطلاقه على المفرد، والمثنّى، والجمع، والمذكّر، والمؤنّث، وجمع الطير: طيور، وأطيار، مثل: فرخ، وفروخ، وأفراخ. وقال قطرب، وأبو عبيدة: قد يقع الطّير على الواحد، كما في قوله تعالى في سورة (آل عمران) رقم [٤٩]: {فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ،} وطائر الإنسان: عمله الذي قلّده، قال تعالى في سورة (الإسراء) رقم [١٣]: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} والطير أيضا: الاسم من التطيّر، ومنه قولهم: لا طير إلاّ طير الله، كما يقال: لا أمر إلا أمر الله. انتهى مختار الصّحاح.
الإعراب:{وَإِذْ:} الواو: حرف عطف. ({إِذْ}): ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلّق بفعل محذوف، تقديره: اذكر، وقيل: مفعول به لهذا الفعل المحذوف. {قالَ إِبْراهِيمُ:} ماض، وفاعله، والجملة الفعلية في محلّ جرّ بإضافة ({إِذْ}) إليها. {رَبِّ} منادى حذف منه حرف النداء منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلّم المحذوفة للتّخفيف، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، وياء المتكلّم المحذوفة في محلّ جرّ بالإضافة، وفي مثل هذا المنادى لغات أخرى: فتح الباء مع حذف الياء: (ربّ)، وإثبات الياء وإسكانها:(يا ربّي)، وإثبات الياء وفتحها:(يا ربّي)، وإثبات الياء وقلبها ألفا:(يا ربّا). قال ابن مالك رحمه الله تعالى في ألفيته:[الرجز]
واجعل منادى صحّ إن يضف ليا... كعبد عبدي عبد عبدا عبديا
وهناك لغة سادسة: بضم الباء والقطع عن الإضافة (يا ربّ)، وبها قرئ قوله تعالى حكاية عن قول يوسف-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: ({قالَ: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ}).
{أَرِنِي:} فعل دعاء مبني على حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر تقديره: أنت، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول به. {كَيْفَ:} اسم استفهام مبني على الفتح في محلّ نصب حال من الموتى، والعامل الفعل {تُحْيِ،} وهو فعل