للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما تأخر لهما. وأيضا قال: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ} وهو خطاب للإنس، والجن، وقد قال في هذه السورة: {\يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}. هذا؛ والالاء: النعم، واحدها: إلى، وألى، وإلي، وألي.

أربع لغات حكاها النحاس. قال: وفي واحد {آناءَ اللَّيْلِ} ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف، المسكّنة اللام. وقال ابن زيد: إنها القدرة، وتقدير الكلام: فبأي قدرة... إلخ؟

{خَلَقَ الْإِنْسانَ:} لما ذكر الله سبحانه خلق العالم الكبير من السماء، والأرض، وما فيهما من الدلالات على واحدانيته، وقدرته؛ ذكر خلق العالم الصغير، فقال: {خَلَقَ الْإِنْسانَ} والمراد به آدم باتفاق أهل العلم. {مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخّارِ} يعني: من طين يابس له صلصلة، وهو الصوت منه إذا نقر. {كَالْفَخّارِ:} يعني الطين المطبوخ بالنار، وهو الخزف. هذا؛ واختلفت العبارات في صفة خلق الإنسان، الذي هو آدم، فقال في كثير من الايات: {مِنْ تُرابٍ،} وقال في سورة (الحجر): {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ،} وقال في سورة (الصافات): {مِنْ طِينٍ لازِبٍ} وقال هنا: {مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخّارِ} وعند التأمل يظهر لك: أنه لا يوجد بين هذه العبارات اختلاف، ولكن مرّ خلق آدم بأدوار، وذلك أن الله خلقه أولا من تراب، ثم جعله طينا لازبا لما اختلط بالماء، ثم حمأ مسنونا، وهو الطين الأسود المنتن، فلما يبس صار صلصالا كالفخار. وكل دور من هذه الأدوار، بل وكل طور من هذه الأطوار يقدر بأربعين عاما.

تنبيه: وأما صفة خلق آدم-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-فإني أنقلها لك من الخازن بحروفه، وذلك من سورة (البقرة) فقد قال وهب بن منبه-رحمه الله تعالى-: لما أراد الله تعالى أن يخلق آدم؛ أوحى إلى الأرض: أني خالق منك خليقة، منهم من يطيعني، ومنهم من يعصيني، فبكت الأرض، فانفجرت منها العيون إلى يوم القيامة، فبعث الله إليها جبريل عليه السّلام ليأتيه بقبضة منها، من أحمرها، وأسودها، وطيبها، وخبيثها، فلما أتاها ليقبض منها، قالت: أعوذ بعزة الله الذي أرسلك إليّ ألاّ تأخذ مني شيئا يكون للنار فيه نصيب، فرجع إلى مكانه، وقال: يا رب استعاذت بك مني، فكرهت أن أقدم عليها، فقال الله لميكائيل-عليه السّلام-: انطلق فائتني بقبضة منها، فلما أتاها ليأخذ منها، قالت له: مثل ما قالت لجبريل، فرجع إلى ربه، فقال: ما قالت له. فقال لعزرائيل-عليه السّلام-: انطلق فائتني بقبضة من الأرض، فلما أتاها؛ ليقبض منها، قالت له مثل ما قالت لجبريل، وميكائيل، فقال: وأنا أعوذ بعزته أن أعصي له أمرا، فقبض منها قبضة من جميع بقاعها، من عذبها، ومالحها، وحلوها، ومرها، وأبيضها، وأسودها، وطيبها، وخبيثها، وصعد بها إلى السماء.

فسأله ربه عز وجل-وهو أعلم بما صنع-فأخبره بما قالت الأرض، وبما رد عليها. فقال الله -عز وجل-: وعزتي وجلالي لأخلقن مما جئت به خلقا، ولأسلطنك على قبض أرواحهم لقلة رحمتك، ثم جعل الله تلك القبضة، نصفها في الجنة، ونصفها في النار، ثم تركها ما شاء الله، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>