للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرجها، فعجنها طينا لازبا مدة، ثم حمأ مسنونا مدة، ثم صلصالا مدة، ثم جسدا هامدا، وألقاه على باب الجنة، فكانت الملائكة يعجبون من صفة صورته؛ لأنهم لم يكونوا رأوا مثله، وكان إبليس يمر عليه، ويقول: لأمر ما خلق هذا، ونظر إليه فإذا هو أجوف، فقال: هذا خلق لا يتمالك، وقال يوما للملائكة: إن فضل هذا عليكم فما تصنعون؟ فقالوا: نطيع ربنا، ولا نعصيه.

فقال إبليس في نفسه: لئن فضل علي؛ لأعصينه، ولئن فضلت عليه؛ لأهلكنه، فلما أراد الله أن ينفخ فيه الروح أمرها أن تدخل في جسد آدم، فنظرت، فرأت مدخلا ضيقا، فقالت: يا رب كيف أدخل هذا الجسد؟ قال الله عز وجل: ادخليه كرها، وستخرجين منه كرها، فدخلت في يافوخه، فوصلت إلى عينيه، فجعل ينظر إلى سائر جسده طينا، فسارت إلى أن وصلت إلى منخريه، فعطس، فلما بلغت لسانه؛ قال: الحمد لله رب العالمين، وهي أول كلمة قالها، فناداه الله تعالى: رحمك الله يا أبا محمد! ولهذا خلقتك، ولما بلغت الروح الركبتين؛ هم ليقوم، قال الله تعالى: {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ}.

فلما بلغت إلى الساقين، والقدمين؛ استوى قائما بشرا سويا، لحما، ودما، وعظاما، وعروقا، وعصبا، وأحشاء، وكسي لباسا من ظفر، يزداد جسده جمالا، وحسنا كل يوم، وجعل في جسده تسعة أبواب، سبعة في رأسه، وهما الأذنان يسمع بهما، والعينان يبصر بهما، والمنخران يشم بهما، والفم فيه اللسان يتكلم به، والأسنان يطحن بها ما يأكله، ويجد لذة المطعومات بها، وبابين في أسفله، وهما: القبل والدبر، يخرج منهما ثفل طعامه، وشرابه، وجعل عقله في دماغه، وفكره، وصرامته في قلبه، وشرهه في كليته، وغضبه في كبده، ورغبته في رئته، وضحكه في طحاله، وفرحه، وحزنه في وجهه، فسبحان من جعله يسمع بعظم، ويبصر بشحم، وينطق بلحم ويعرف بدم! وركب فيه الشهوة، وحجزه بالحياء.

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خلق الله آدم عليه السّلام، وطوله ستون ذراعا، ثم قال: اذهب فسلّم على أولئك النفر من الملائكة، فاستمع ما يحيونك به، فإنها تحيتك، وتحية ذريتك، فقال: السّلام عليكم، فقالوا: السّلام عليك ورحمة الله، فزادوه رحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الان». متفق عليه.

وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا صوّر الله آدم تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطوف به ينظر ما هو؟ فلما رآه أجوف عرف: أنه لا يتمالك».

رواه مسلم. وعن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن الله تبارك وتعالى خلق آدم من قبضة قبضها من الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض. منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك، والسهل، والحزن، والخبيث، والطيّب» أخرجه الترمذي وأبو داود. انتهى. خازن.

<<  <  ج: ص:  >  >>