{أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً} قال: «منهن البكر، والثيب اللاتي كن في الدنيا». وقال عبد بن حميد-رضي الله عنه-: أتت عجوز، فقالت: يا رسول الله ادع الله تعالى أن يدخلني الجنة، فقال:«يا أم فلان! إن الجنة لا تدخلها عجوز». قال: فولت تبكي. قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أخبروها: أنها لا تدخلها، وهي عجوز، ولكنها تدخلها، وهي شابة، إن الله تعالى يقول: {إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً»}. وقال المسيب بن شريك: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: {إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً} قال: «هن عجائز الدنيا، أنشأهن الله خلقا جديدا، كلما أتاهن أزواجهن؛ وجدوهن أبكارا». فلما سمعت عائشة-رضي الله عنها-ذلك. قالت: واوجعاه! فقال لها النبي صلّى الله عليه وسلّم «ليس هناك وجع». والبكر:
هي التي لم يفترعها الرجل، فهي على خلقتها الأولى من حال الإنشاء. {عُرُباً:} متحببات إلى أزواجهن. قاله ابن عباس-رضي الله عنهما-وقال الضحاك: العرب: العواشق لأزواجهن، وأزواجهن لهن عاشقون. وقال ابن عباس أيضا: العروب: الملقة. وقال عكرمة: هي الغنجة.
ومنه قول لبيد-رضي الله عنه-. [البسيط] وفي الخباء عروب غير فاحشة... ريّا الروادف يعشى دونها البصر
وعن عكرمة أيضا، وقتادة: العرب: المتحببات إلى أزواجهن، واشتقاقه من أعرب: إذا بين، فالعروب تبين محبتها لزوجها بملق، وغنج، وحسن كلام. أقول: ومن كانت كذلك فهي ألذ استمتاعا.
{أَتْراباً:} متساويات في السن، والشباب، بنات ثلاث وثلاثين سنة، واشتقاقه من التراب فإنه يمسهن في وقت واحد. وقيل: متآخيات، لا يتباغضن، ولا يتغايرن، ولا يتحاسدن، ومثلهن أزواجهن في السن؛ لأن التحاب بين الأقران أثبت، وكانت العرب تميل إلى من جاوزت حد الصبا من النساء، وانحطت عن الكبر. هذا؛ ويقال في النساء: أتراب، وفي الرجال:
أقران. هذا؛ وأتراب: جمع: ترب بكسر التاء وسكون الراء، كحمل، وأحمال، وهو المساوي لك في العمر. قال الشاعر:[البسيط] لولا توقّع معترّ فأرضيه... ما كنت أوثر أترابا على ترب
وهذا هو الشاهد رقم [١٣٩] من كتابنا: «فتح رب البرية». هذا؛ وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:
«يدخل أهل الجنّة الجنة جردا مردا بيضا جعادا مكحّلين أبناء ثلاث وثلاثين». {لِأَصْحابِ الْيَمِينِ} أي: النساء المذكورات خلقن لأصحاب اليمين. {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ} يعني: من المؤمنين الذين هم قبل هذه الأمة. {وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ:} يعني من مؤمني هذه الأمة. يدل عليه ما روى البغوي بإسناد الثعلبي عن عروة بن رويم-رضي الله عنه-قال: لما أنزل الله-عز وجل-على رسوله صلّى الله عليه وسلّم: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} بكى عمر-رضي الله عنه-وقال: يا رسول الله! آمنا برسول الله، وصدقناه، ومن ينجو منا قليل، فأنزل الله عز وجل: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ}