للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{مِنَ الْآخِرِينَ} فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمر-رضي الله عنه-، فقال: قد أنزل الله فيما قلت، فقال:

رضينا عن ربنا، وعن تصديق نبينا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من آدم إلينا ثلّة، ومنّا إلى يوم القيامة ثلة، ولا يستتمّها إلا سودان من رعاة الإبل ممّن قال: لا إله إلا الله». ولعل هذه الاية من الايات التي وافقت رأي عمر-رضي الله عنه-.

وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عرضت عليّ الأمم، فرأيت النبيّ؛ ومعه الرّهيط، والنبيّ؛ ومعه الرجل، والرجلان، والنبيّ؛ وليس معه أحد؛ إذ رفع إليّ سواد عظيم، فظننت: أنهم أمّتي، فقيل لي: هذا موسى، وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت؛ فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الاخر؛ فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمّتك، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، ولا عذاب». ثم نهض، فدخل منزله.

فخاض القوم في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم: لعلّهم الذين صحبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقال بعضهم: لعلّهم الذين ولدوا في الإسلام، ولم يشركوا بالله.

وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما الذي تخوضون فيه؟». فأخبروه، فقال:

«هم الذين لا يرقون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربّهم يتوكلون». فقام عكاشة بن محصن، فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: «أنت منهم» فقام رجل آخر، فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: «سبقك بها عكاشة». متفق عليه.

وعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قبة نحوا من أربعين، فقال: «أترضوان أن تكونوا ربع أهل الجنة؟». قلنا: نعم. قال: «أترضوان أن تكونوا ثلث أهل الجنّة؟». قلنا: نعم. قال: «والّذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنّة، وذلك أن الجنّة لا يدخلها إلاّ نفس مؤمنة مسلمة، وما أنتم في أهل الشّرك إلا كالشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود، أو كالشّعرة السّوداء في جلد الثّور الأحمر». متفق عليه. وانظر ما ذكرته في رقم [١٣] و [١٤].

قال الخازن: فإن قلت: كيف قال في الاية الأولى رقم [١٤]: {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ،} وقال في هذه الاية: {وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} قلت: الاية الأولى في السابقين الأولين، وقليل من يلحق بهم من الاخرين، وهذه الاية في أصحاب اليمين، وهم كثيرون من الأولين والاخرين، وحكى بعضهم:

أن هذه ناسخة للأولى، واستدل بحديث عروة بن رويم المتقدم، ونحوه، والقول بالنسخ لا يصح؛ لأن الكلام في الايتين خبر، والخبر لا يدخله النسخ. انتهى. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {وَفُرُشٍ:} الواو: حرف عطف. (فرش): معطوف على ما قبله. {مَرْفُوعَةٍ:} صفة (فرش). {إِنّا:} (إنّ): حرف مشبه بالفعل، (ونا): اسمها، حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {أَنْشَأْناهُنَّ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والنون حرف دال على جماعة الإناث، لا محل

<<  <  ج: ص:  >  >>