للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضّالُّونَ:} عن الهدى، وعن طريق الخير. والخطاب لأهل مكة، وأمثالهم في كل عصر، ومكان. {الْمُكَذِّبُونَ} أي: بالبعث، والحساب، والجزاء... إلخ. {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ:} وهو شجر كريه المنظر، كريه الطعم. {فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ} أي: يأكلون منها حتى يملؤوا بطونهم، فقد ذكر الله تعالى: أنهم يأكلون من شجر الزقوم؛ التي لا أبشع منها، ولا أقبح من منظرها مع ما هي عليه من سوء الطعم، ونتن الريح، وخبث الطبع، فإنهم ليضطرون إلى الأكل منها؛ لأنهم لا يجدون طعاما إلا إياها، وما هو في معناها، كما قال تعالى في سورة (الغاشية):

{لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاّ مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ}. فقد روي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلا هذه الاية، وقال: «اتّقوا الله حقّ تقاته، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم، فكيف بمن تكون طعامه؟!» أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال الترمذي: حسن صحيح.

{فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} أي: شاربون على الزقوم، أو على الأكل، أو على الشجر؛ لأنه يذكر، ويؤنث. هذا؛ وأنث الضمير على المعنى، وذكره على اللفظ في (منها، وعليه) والحميم:

هو الماء المغليّ؛ الذي اشتد غليانه، وهو صديد أهل النار؛ أي: يورثهم حر ما يأكلون من الزقوم مع الجوع الشديد عطشا، فيشربون ماء يظنون أنه يزيل العطش، فيجدونه حميما مغلى.

{فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} أي: الإبل العطاش التي لا تروى لداء يصيبها، و {الْهِيمِ} الإبل يصيبها داء تعطش منه عطشا شديدا، واحدها: أهيم، والأنثى: هيماء. قال ذو الرمة: [الطويل] فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد... صداها ولا يقضي عليها هيامها

ويقال لذلك الداء: الهيام. قال قيس بن الملوّح: [الطويل] يقال به داء الهيام أصابه... وقد علمت نفسي مكان شفائها

وقوم هيم أيضا؛ أي: عطاش، وقد هاموا هياما، ومن العرب من يقول في الإبل: هائم، وهائمة، والجمع: هيم. قال لبيد رضي الله: [الوافر] أجزت إلى معارفها بشعث... وأطلاح من العيديّ هيم

وفي الصحاح: والهيام بالضم: أشد العطش. والهيام: كالجنون من العشق. والهيام: داء يأخذ الإبل، فتهيم في الأرض لا ترعى، ولا تشرب. والهائم من الناس هو الذي يسير في الأرض لا يعلم أين يسير من عشق، أو غيره، هذا إن سلك طريقا مسلوكا، فإن سلك طريقا غير مسلوك فهو: راكب التعاسيف. وهام، يهيم: تحير وتردد. قال تعالى في حق الشعراء الفاسدين في سورة (الشعراء): {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ}. هذا؛ و {شُرْبَ} يقرأ بضم الشين وفتحها، فهو مصدر، وبالكسر المشروب كالطحن بمعنى المطحون. قال تعالى في سورة

<<  <  ج: ص:  >  >>