على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة، وصلة» أخرجه النّسائيّ، والترمذيّ عن سليمان بن عامر-رضي الله عنه-.
وروي: أنّ أم المؤمنين ميمونة-رضي الله عنها-أعتقت جارية في سبيل الله، فقال لها سيّد الخلق، الناطق بالصّدق صلّى الله عليه وسلّم:«أمّا إنّك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك».
وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما رجل أتاه ابن عمّه يسأله من فضله، فمنعه، منعه الله فضله يوم القيامة» أخرجه الطّبرانيّ. هذا؛ وقد قال تعالى في سورتي (الإسراء) و (الروم): {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ،} وقال زهير في معلّقته، انظر شرحها وإعرابها في كتابنا:«فتح الكبير المتعال»: [الطويل]
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله... على قومه يستغن عنه ويذمم
{كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ:} الجنّة: البستان، وهي قطعة أرض تنبت فيها الأشجار الكثيفة حتى تغطّيها، وتستر ما فيها، فهي مأخوذة من لفظ: الجنّ، والجنين، لاستتارهم. {أَصابَها وابِلٌ:}
نزل عليها مطر شديد، والرّبوة: المكان المرتفع عن الأرض؛ لأنّ ما ارتفع من الأرض عن سيل الماء والأودية؛ كان ثمرها أحسن، وأزكى، إذا كان لها من الماء ما يرويها، فإذا كانت الأرض بهذه الصّفة؛ كثر ريعها، وحملت أشجارها. قال الأعشى في معلّقته رقم [١٢] انظر شرحها وإعرابها في كتابنا فتح الكبير المتعال: [البسيط]
ما روضة من رياض الحزن معشبة... خضراء جاد عليها مسبل هطل
أراد بالحزن: ما غلظ، وارتفع من الأرض. {فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ} أي: فأعطت ثمرتها مثلين، قيل: إنّها حملت في سنة من الرّيع ما يحمله غيرها في سنتين. {فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ:} تأكيد منه تعالى لمدح هذه الرّبوة، فإنها إن لم يصبها وابل فإنّ الطلّ يكفيها، وينوب مناب الوابل في إخراج الثّمرة ضعفين، وذلك لكرم الأرض، وطيبها، والطّلّ: المطر الضعيف المستدق من القطر الخفيف، وقال قوم، منهم مجاهد: الطّلّ: النّدى، فشبّه الله نموّ نفقات هؤلاء المخلصين الّذين يربّي الله لهم صدقاتهم كتربية الفلو والفصيل، بنمو نبات الحبة بالرّبوة الموصوفة، بخلاف الصّفوان الذي ينكشف عنه ترابه، فيبقى صلدا.
وخرّج مسلم، وغيره عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«من تصدّق بعدل تمرة من كسب طيّب-ولا يقبل الله إلا الطّيّب-فإنّ الله يقبلها بيمينه، ثمّ يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوّه حتى تكون مثل الجبل». {وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:} تحذير من الرياء، وترغيب في الإخلاص؛ أي: فإنّ الله تعالى لا تخفى عليه خافية، فيجازي كلّ إنسان بما يستحق. وقرئ الفعل بالياء أيضا، كأنّه يريد به الناس أجمع، أو يريد المنفقين فقط، فهو وعد محض.