هذا وفي قوله تعالى:{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ:} تشبيه تمثيليّ؛ لأنّ وجه الشبه منتزع من متعدّد، كما في قوله تعالى:{كَمَثَلِ صَفْوانٍ}.
هذا و (مثل) بفتح الميم والثاء بمعنى: مثل، ومثيل، وشبه، وشبيه. ومثل: اسم متوغّل في الإبهام، لا يتعرّف بإضافته إلى الضّمير، وغيره من المعارف، ولذلك نعتت به النّكرة في قوله تعالى حكاية عن قول فرعون وقومه:{أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ} الآية رقم [٤٧] من سورة (المؤمنون)، ويوصف به المفرد، والمثنى، والجمع، تذكيرا، وتأنيثا، كما في الآية الكريمة، وتستعمل على ثلاثة أوجه: الأول: بمعنى الشبيه، كما في الآية الكريمة، والثاني:
بمعنى نفس الشيء، وذاته، كما في قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} رقم [١١] من سورة (الشورى)، والثالث: زائدة، كما في قوله تعالى:{فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} الآية رقم [١٣٧] من هذه السورة، أي: بما آمنتم.
وأما المثل في قوله تعالى:{ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً} الآية رقم [٢٤] من سورة (إبراهيم) -على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة وألف سلام-فهو القول السائر بين الناس، والذي فيه غرابة من بعض الوجوه، والممثل بمضربه؛ أي: الحالة الأصلية التي ورد الكلام فيها، وما أكثر الأمثال في اللّغة العربية، علما بأنّ الأمثال لا تغيّر، تذكيرا، وتأنيثا، إفرادا، وتثنية، وجمعا، بل ينظر فيها دائما إلى مورد المثل، أي: أصله، مثل (الصّيف ضيّعت اللّبن) فإنّه يضرب لكلّ من فرّط في تحصيل شيء في أوانه، ثم طلبه بعد فواته.
هذا؛ وأصاب فلانا البلاء: وقع عليه، وأصابهم المطر: نزل عليهم، كما في هذه الآية وسابقتها، وتقول: أصاب السّهم، يصيب، فلم يخطئ هدفه، وأصاب الرجل في قوله، أو في رأيه: أتى الصواب. ويأتي «أصاب» بمعنى: قصد، وأراد، قال تعالى في حق سليمان-على نبينا وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ}.
قال الشاعر:[المتقارب]
أصاب الكلام، فلم يستطع... فأخطا الجواب لدى المفصل
فائدة: قال مكيّ بن أبي طالب القيسيّ-رحمه الله تعالى-في التركيب {فَإِنْ لَمْ يُصِبْها} ونحوه: دخلت (إن) على (لم) ليرتدّ الفعل إلى أصله في لفظه، وهو الاستقبال؛ لأنّ «لم» تردّ لفظ المستقبل إلى معنى المضي، و «إن» ترد الماضي إلى معنى الاستقبال، فلمّا صارت «لم» ولفظ المستقبل بعدها بمعنى الماضي؛ ردتها «إن» إلى الاستقبال؛ لأن «إن» ترد الماضي إلى معنى الاستقبال. انتهى.
الإعراب:({مَثَلُ}): مبتدأ، وهو مضاف، و {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة، وهناك مضاف محذوف؛ إذ التقدير: ومثل نفقة الذين. و {يُنْفِقُونَ:} فعل مضارع