خلق الأشياء مدرّجا مع القدرة على خلقها دفعة واحدة دليل للاختيار، واعتبار للنظار، وحث على التأني في الأمور. هذا؛ وما ذكر من أن الله ابتدأ الخلق يوم الأحد، وفرغ منه يوم الجمعة عصرا، فخلق الأرض في يومين: الأحد والاثنين، وخلق ما فيها في يومين: الثلاثاء، والأربعاء، وخلق السموات، وما فيها في يومين: الخميس، والجمعة، كل ذلك لم يثبت، وإن أسنده القرطبي في سورة (غافر) إلى عبد الله بن سلام-رضي الله عنه-. ألا قاتل الله اليهود، فإنهم يقولون: استراح ربنا يوم السبت، فلذا اختاروه للراحة والعبادة، ولذا رد الله عليهم بقوله في سورة (ق) الاية رقم [٣٨]: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ}.
{ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ:} استولى، ولا يجوز تفسيره باستقر، وثبت، فيكون الله من صفات الحوادث، وهذا التأويل ينبغي أن يقال في كل ما يوهم وصفا، لا يليق به تعالى. والقول الفصل قول علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-: الاستواء غير مجهول، والتكييف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة؛ لأنه تعالى كان، فهو على ما كان قبل خلق المكان لم يتغير عما كان. والمنقول عن جعفر الصادق، والحسن البصري، وأبي حنيفة، ومالك-رضي الله عنهم-أجمعين يشبه ذلك. هذا؛ وهناك من يقول: استوى استواء يليق به، وهو قول السلف.
هذا؛ و (استوى) في سورة (القصص) رقم [١٤] بمعنى بلوغ أربعين عاما.
أما {الْعَرْشِ} فقد قال الراغب في كتابه: (مفردات القرآن): وعرش الله-عز وجل-مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم، لا بالحقيقة، وليس هو كما تذهب إليه أوهام العامة، فإنه لو كان كذلك؛ لكان حاملا له، تعالى الله عن ذلك. انتهى. خازن. وقد قال سليمان الجمل: وأما المراد به هنا؛ فهو الجسم النوراني المرتفع عن كل الأجسام المحيط بكلها، وانظر ما ذكرته في آية الكرسي رقم [٢٥٤] من سورة (البقرة).
هذا؛ وذكر الله-عز وجل-في هذه الاية وغيرها من آثار قدرته، ودلائل عظمته خلق السموات، والأرض، وخصهما بالذكر هنا، وفي كثير من الايات؛ لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد، وجمع السموات دون الأرض، وهي مثلهن؛ لأن طبقاتها مختلفة بالذات، متفاوتة بالصفات، والاثار والحركات، وقدمها لشرفها، وعلو مكانها، وتقدم وجودها، ولأنها متعبد الملائكة، ولم يقع فيها معصية كما في الأرض، وأيضا: لأنها كالذّكر، فنزول المطر من السماء على الأرض، كنزول المني من الذكر في المرأة؛ لأن الأرض تنبت، وتخضر بالمطر.
{يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ} أي: يدخل في الأرض من المطر، والكنوز، والأموات، والدفائن.
{وَما يَخْرُجُ مِنْها} أي: من النبات، والشجر، والعيون، والمعادن، والأموات؛ إذا بعثوا يوم القيامة. {وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ} أي: من المطر، والثلج، والبرد، والصواعق، والأرزاق، والمقادير، والبركات، والملائكة، والكتب التي أنزلها على الرسل. {وَما يَعْرُجُ فِيها} أي: يصعد