للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في السماء من الملائكة، وأعمال العباد، والأبخرة، والأدخنة، والغبار وغير ذلك. هذا؛ و (يلج) أصله: يولج، وماضيه ولج، فحذفت الواو من مضارع المتكلم، والمخاطب قياسا عليه، والمصدر: الولوج؛ وهذا من الثلاثي وانظره من الرباعي في الاية رقم [٦].

هذا؛ و {السَّماءِ} يذكر، ويؤنث. والسماء: كل ما علاك، فأظلك، ومنه قيل لسقف البيت:

سماء. والسماء: المطر. يقال: ما زلنا نطأ السماء؛ حتى أتيناكم. قال معاوية بن مالك: [الوافر] إذا نزل السماء بأرض قوم... رعيناه وإن كانوا غضابا

أراد بالسماء المطر، ثم أعاد الضمير عليه في رعيناه بمعنى النبات، وهذا يسمى في فن البديع بالاستخدام. وأصل «سماء»: سماو، فيقال في إعلاله: تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، ولم يعتد بالألف الزائدة لأنها حاجز غير حصين، فالتقى ساكنان: الألف الزائدة، والألف المنقلبة، فأبدلت الثانية همزة.

{وَهُوَ مَعَكُمْ} أي: بالعلم، والقدرة فليس أحد ينفك من تعليق علم الله تعالى وقدرته به أينما كان من أرض، أو سماء، برا، أو بحرا. وقيل: هو معكم بالحفظ، والحراسة. {وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي: رقيب عليكم، عالم بأعمالكم، حيث كنتم في ليل، أو نهار، في البيوت، أو في القفار، الجميع في علمه سواء، فيسمع كلامكم، ويرى مكانكم، ويعلم سركم، ونجواكم.

قال تعالى في سورة (الرعد) رقم [١١]: {سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ} فلا إله غيره، ولا رب سواه. وقد ثبت في الصحيح: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لجبريل عليه السّلام لما سأله عن الإحسان: «أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك». وفي الحديث قال رجل: يا رسول الله! ما تزكية المرء نفسه؟ فقال: «يعلم أن الله معه حيث كان». أخرجه أبو نعيم من حديث عبد الله العامري مرفوعا. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن أفضل الإيمان أن تعلم: أنّ الله معك حيثما كنت». أخرجه أبو نعيم عن عبادة بن الصامت، وكان الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-ينشد هذين البيتين: [الطويل] إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل... خلوت ولكن قل عليّ رقيب

ولا تحسبنّ الله يغفل ساعة... ولا أنّ ما تخفي عليه يغيب

هذا؛ والفعل {يَعْلَمُ} من المعرفة، لا من العلم اليقيني، والفرق بينهما: أن المعرفة تكتفي بمفعول واحد. قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته: [الرجز] لعلم عرفان وظنّ تهمه... تعدية لواحد ملتزمه

بخلافه من العلم اليقيني، فإنه ينصب مفعولين، أصلهما مبتدأ، وخبر، وأيضا: فالمعرفة تستدعي سبق جهل، وأن متعلقها الذوات دون النسب بخلاف العلم فإن متعلقه المعاني

<<  <  ج: ص:  >  >>