للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أي: فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح، وقاتل، ومن فعل ذلك بعد الفتح، وما ذاك إلا لعلمه التام بقصد الأول، وإخلاصه في إنفاقه في حال الجهد، والقلة، والضيق. وينبغي أن تعلم: أن الفعل «يستوي» من الأفعال؛ التي لا يكتفى فيها بواحد، فلو قلت: استوى زيد لم يصح، فمن ثم لزم العطف على الفاعل، أو تعدده.

هذا؛ وقال الكلبي: نزلت الاية في أبي بكر الصديق-رضي الله عنه-. ففيها دليل واضح على تفضيله، وتقديمه؛ لأنه أول من أسلم. وعن ابن مسعود-رضي الله عنه-: أول من أظهر الإسلام بسيفه النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأبو بكر. ولأنه أول من أنفق على النبي صلّى الله عليه وسلّم. وعن ابن عمر-رضي الله عنهما- قال: «كنت عند النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعنده أبو بكر، وعليه عباءة قد خلّلها في صدره بخلال، فنزل جبريل عليه السّلام، فقال: يا نبي الله! ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خللها في صدره بخلال؟! فقال:

«قد أنفق عليّ ماله قبل الفتح». قال: فإن الله يقول لك: اقرأ على أبي بكر السّلام، وقل له:

أراض أنت في فقرك، أم ساخط؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا بكر! إنّ الله عزّ وجلّ يقرأ عليك السّلام، ويقول: أراض في فقرك، أم ساخط؟». فقال أبو بكر-رضي الله عنه-وأرضاه: أأسخط على ربي؟ إني عن ربي لراض! إني عن ربي لراض! إني عن ربي لراض! قال: «فإن الله يقول لك:

قد رضيت عنك، كما أنت عني راض!». فبكى أبو بكر-رضي الله عنه-. فقال جبريل عليه السّلام: والذي بعثك يا محمد بالحق، لقد تخللت حملة العرش بالعبي منذ تخلل صاحبك هذا بالعباءة». ولهذا قدمته الصحابة على أنفسهم، وأقروا له بالتقدم، والسبق.

وقال علي-رضي الله عنه وكرم الله وجهه-: «سبق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وصلّى أبو بكر، وثلّث عمر، فلا أوتى برجل فضلني على أبي بكر إلا جلدته حد المفتري ثمانين جلدة، وطرح الشهادة» المصلي في السبق هو الثاني، وصلى؛ أي: ثنى، فنال المتقدمون من المشقة أكثر مما نال من بعدهم، وكانت بصائرهم أيضا أنفذ. انتهى. قرطبي. فويل للذين يبغضون أبا بكر! وويل، وويل للذين يشتمونه، ويسبونه!.

الإعراب: {وَما:} (الواو): حرف استئناف. (ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {أَلاّ:} (أن): حرف مصدري ونصب. (لا): نافية. {تُنْفِقُوا:} فعل مضارع منصوب ب‍: (أن)، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، ومفعوله محذوف؛ لأنه مفهوم من المقام. {فِي سَبِيلِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، و {سَبِيلِ} مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه، و (أن) والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير: في عدم الإنفاق، أو من عدم. والجار والمجرور متعلقان ب‍: (ما) لتضمنها معنى الفعل: أستفهم. وقال أبو البقاء: متعلقان بالخبر المحذوف،

<<  <  ج: ص:  >  >>