للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو هي من الدنو، وهو القرب؛ لأنها في متناول يد الإنسان ما دام حيا. وقال سليمان بن الضحاك: [السريع] ما أحسن الدنيا ولكنّها... مع حسنها غدّارة فانيه

ما أنعم الله على عبده... بنعمة أوفى من العافيه

وكلّ من عوفي في جسمه... فإنه في عيشة راضيه

والمال حلو حسن جيد... على الفتى لكنه عاريه

وانظر ما ذكرته في سورة (العنكبوت) رقم [٦٤] تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

{لَعِبٌ وَلَهْوٌ} أي: كما يلعب الصبيان، ويلهون به، ويجتمعون عليه، ويبتهجون به ساعة، ثم يتفرقون عنه متعبين، واللعب العبث، واللهو: الاستمتاع بلذات الدنيا. وقيل: هو الاشتغال بما لا يعني الإنسان، وما لا يهمه. والمعنى: ليس ما أعطاه الله الأغنياء من حطام الدنيا؛ إلا وهو يضمحل، ويزول، كاللعب، واللهو؛ الذي لا حقيقة له، ولا ثبات. وقال الخازن: واللعب ما يشغل الإنسان، وليس فيه منفعة في الحال، ولا في المال، ثم إذا استعمله الإنسان، ولم يشغله عن غيره، ولم ينسه أشغاله المهمة؛ فهو اللعب، وإن أشغله عن مهمات نفسه؛ فهو اللهو.

{وَزِينَةٌ} أي: وزينة يتزين بها الجهلاء، كالملابس الحسنة، والمراكب البهية، والمنازل الرفيعة. {وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ} أي: ومباهاة، وافتخار بالأحساب، والأنساب، والمال، والولد، كما قال القائل: [الوافر] أرى أهل القصور إذا أميتوا... بنوا فوق المقابر بالصخور

أبوا إلاّ مباهاة وفخرا... على الفقراء حتّى في القبور

{وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ} أي: مباهاة، ومفاخرة بكثرة الأموال، والأولاد. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يجمع المال من سخط، ويتباهى به على أولياء الله، ويصرفه في مساخط الله، فهو ظلمات بعضها فوق بعض. وقال النسفي-رحمه الله تعالى-في هذه الاية:

لعب كلعب الصبيان، ولهو كلهو الفتيان، وزينة كزينة النسوان، وتفاخر بينكم كتفاخر الأقران، وتكاثر كتكاثر الدهقان.

{كَمَثَلِ غَيْثٍ:} وهو المطر الذي يأتي بعد قنوط الناس، كما قال تعالى في سورة (الشورى) رقم [٢٨]: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا} وسمي المطر غيثا؛ لأنه يغيث الناس، فيزيل همهم، ويفرج كربهم، ويطلق مجازا على الجواد الكريم.

قال ذو الرمة في مدح بلال بن أبي بردة الأشعري: [الوافر] سمعت الناس ينتجعون غيثا... فقلت لصيدح: انتجعي بلالا

<<  <  ج: ص:  >  >>