للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد جعله أجود من الغيث، وأنفع، وصيدح: اسم ناقته. وللزمخشري قوله: [البسيط] لا تحسبوا أنّ في سرباله رجلا... ففيه غيث وليث مسبل مشبل

{أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَباتُهُ} أي: يعجب الزراع نبات ذلك الزرع؛ الذي نبت بالغيث، وكما يعجب الزراع ذلك، كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفار بزهرتها وزينتها، فإنهم أحرص شيء عليها وأميل الناس إليها. وسمي الزارع كافرا؛ لأنه يغطي البذر، ويستره بالتراب. وسمي الكافر كافرا؛ لأنه يغطي الحق، ويستره بجحوده، وإنكاره. {ثُمَّ يَهِيجُ} أي: يجف بعد خضرته، وييبس، {فَتَراهُ مُصْفَرًّا} أي: متغيرا عما كان عليه من النضرة، والخضرة الحسنة. {ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً} أي: فتاتا، وتبنا، فتذهب بهجته، ونضرته.

هكذا الحياة الدنيا تكون أولا شابة، ثم تكتهل، ثم تكون عجوزا شوهاء. والإنسان يكون كذلك في أول عمره، وعنفوان شبابه غضا طريا، لين الأعطاف، بهي المنظر، ثم يكبر، فيصير شيخا كبيرا ضعيف القوى، كما قال تعالى في سورة (الروم) رقم [٥٤]: {اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً}

ورحم الله من قال: [البسيط] ما أنت إلاّ كزرع عند خضرته... لكلّ شيء من الافات مقصود

فإن سلمت من الافات أجمعها... فأنت من بعد ذا لا بدّ محصود

تنبيه: في الاية الكريمة تشبيه التمثيل، الذي هو منتزع من متعدد، فقد شبه الله الدنيا، وبهجتها، وإقبالها على العبد، وركونه إليها بالنبات الذي ينزل عليه المطر، وهذا النبات يقوى، ويشتد، ويزهو يوما بعد يوم، ولكنه لا يلبث أن يصفر، ثم ييبس، ثم يكون هشيما، وحطاما.

وكذلك الدنيا مالها إلى الهلاك، والدمار، والفناء. هذا؛ ويشبه هذه الاية في تمثيل الدنيا الاية رقم [٤٥] من سورة (الكهف).

{وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ} أي: لمن كانت حياته بهذه الصفة. قال أهل المعاني: زهّد الله في هذه الاية في العمل للدنيا، وهذه صفة حياة الكافرين، وحياة من يشتغل باللعب، واللهو ورغّب في العمل للاخرة بقوله: {وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ} أي: لأوليائه، وأهل طاعته. وقيل: عذاب شديد لأعدائه، ومغفرة من الله، ورضوان لأوليائه؛ لأن الاخرة إما عذاب، وإما نعيم، ولا تنس المقابلة بين معنى الجملتين. وهو من المحسنات البديعية. والموت لا بد واقع بكل إنسان، ورحم الله من يقول: [البسيط] الموت باب وكلّ الناس داخله... فليت شعري بعد الباب ما الدّار؟

ورحم الله من رد الجواب بما يلي: [البسيط]

<<  <  ج: ص:  >  >>