هذا؛ وقال أكثر المفسرين: فيه دليل على أن الإيمان وحده كاف في استحقاق دخول الجنة، وفيه أعظم رجاء، وأقوى أمل؛ لأن الله ذكر: أن الجنة أعدت لمن آمن بالله ورسوله، ولم يذكر مع الإيمان شيئا آخر، وهذا غير مسلّم لهم من عدة وجوه: أولها: أن الله عز وجل قال: {سابِقُوا..}. إلخ؛ وقد رأيت ما ذكرته لك آنفا: أن المعنى: سابقوا، وسارعوا بالأعمال الصالحة، وليس المعنى سابقوا، وسارعوا إلى دخول الجنة بدون عمل. والله جلت قدرته يقول في الحديث القدسي:«ما أقلّ حياء من يطمع بجنتي من غير عمل، فكيف أجود بجنتي على من بخل عليّ بطاعتي؟!».
وثانيها: الايات الكثيرة التي تقرن الإيمان بالعمل الصالح، وسميته في محالّه احتراسا.
وثالثها: الأحاديث الشريفة الكثيرة؛ التي تشترط العمل مع الإيمان لدخول الجنة، مثل قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«الإيمان والعمل قرينان، لا يقبل الله أحدهما بدون صاحبه». «ليس الإيمان بالتمنّي، ولكن ما وقر في القلب، وصدّقه العمل...» إلخ.
وروى الإمام أحمد: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلاّ الله». وزاد البخاري:«ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان، فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك». والمراد بالأسنان: الأعمال الصالحة الموصلة إلى الجنة.
ورابعها: أن ما أطلق هنا قيد في الايات رقم [١٣٣] و [١٣٤] و [١٣٥] من سورة (آل عمران) -انظر شرحها هناك؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك-بالتقوى، وإنفاق المال في السراء، والضراء، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس المسيئين، والإحسان إليهم، والتوبة من الذنب، وعدم الإصرار عليه. فلماذا لا يحمل المطلق على المقيد، وهذا معروف في علم الأصول لا خفاء فيه. لذا ما قاله بعض المفسرين لا يعتد به، والله الموفق، والمعين، وبه أستعين.
هذا؛ ولا تنس قوله تعالى في سورة (الجاثية) رقم [٢١]: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ}.
وأيضا قوله تعالى في سورة (السجدة) رقم [١٨]: {أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ}.
{ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ} أي: إن الجنة لا تنال، ولا تدخل إلا برحمة الله، وفضله، وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«لن يدخل أحدا عمله الجنّة... إلخ». انظر الجمع بين هذا الحديث، وبين قوله تعالى في سورة (الزخرف) الاية رقم [٧٢]: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} تجد ما يسرك ويثلج صدرك.
{وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ:} فلا يبعد أن يتفضل، ويتكرم بذلك؛ وإن عظم قدره، وخذ ما يلي: عن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: