فإذا حال الحول على عروض التّجارة، قوّمت، فإن بلغت قيمتها النّصاب أخرج منها ربع العشر. وخذ ما يلي:
عن المقدام-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أكل أحد طعاما قطّ خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبيّ الله، داود كان يأكل من عمل يده» أخرجه البخاريّ.
وعن عائشة: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال:«إنّ أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإنّ أولادكم من كسبكم» أخرجه الترمذيّ، والنسائي.
{وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ:} ظاهر الآية يدلّ على وجوب الزّكاة في كل ما خرج من الأرض من النبات، ممّا يزرع الآدميون، لكن جمهور العلماء خصّصوا هذا العموم، فأوجبوا الزكاة في النّخيل والكروم، وفيما يقتات، ويدّخر من الحبوب، وأوجب أبو حنيفة رضي الله عنه الزكاة في كلّ ما يقصد من نبات الأرض، كالفواكه، والبقول، والخضراوات، كالبطيخ، والقثاء، والخيار، ونحو ذلك، دليل الجمهور ما روي عن معاذ-رضي الله عنه-: أنّه كتب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم يسأله عن الخضروات، وهي البقول: فقال: «ليس فيها شيء» أخرجه الترمذيّ، وقال الزهريّ، والأوزاعيّ، ومالك: تجب الزكاة في الزّيتون، وتجب في الثّمار عند بدوّ الصلاح، وهو أن يحمرّ البسر، ويصفرّ وقت الإخراج بعد الاجتناء، والجفاف، وفي الحبوب عند الاشتداد، ووقت الإخراج بعد الدراس، والتصفية.
{وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} أي: ولا تقصدوا الرديء من أموالكم. {مِنْهُ تُنْفِقُونَ} أي:
من الخبيث، عن البراء بن عازب-رضي الله عنه-قال: نزلت الآية فينا معشر الأنصار؛ كنا أصحاب نخل، فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته، وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين، فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع؛ أتى القنو، فضربه بعصاه، فسقط البسر، أو التمر، فيأكل، وكان الناس ممّن لا يرغب في الخير، فيأتي بالقنو، فيه الشّيص، والحشف، وبالقنو قد انكسر، فيعلقه، فأنزل الله تعالى الآية.
{وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} أي: لو أنّ أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطى؛ لم يأخذه إلا على إغماض، وحياء؛ فكيف تؤدّون منه حق الله تعالى؟! قال البراء-رضي الله عنه-: فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده، أخرجه الترمذي. هذا؛ والإغماض في اللغة: غض البصر، وإطباق الجفن، والمراد به هنا: التجوّز والمساهلة؛ لأنّ الإنسان إذا رأى ما يكره؛ أغمض عينيه؛ لئلا يرى ذلك، ففي الكلام مجاز مرسل، أو استعارة، ومن ذلك قول الطرماح:[الخفيف]
لم يفتنا بالوتر قوم وللذّ... لّ أناس يرضون بالإغماض
وقد يحتمل أن يكون منتزعا من تغميض العين؛ لأنّ الذي يريد الصبر على مكروه يغمض عينيه، قال الشاعر:[الطويل]