للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإيمان، فقاتلوهم، فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات، فلم يبق منهم إلا القليل، فقالوا: إن ظهرنا لهؤلاء؛ فتنونا، ولم يبق أحد يدعو إليه تعالى، فتعالوا: لنتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى-يعنون محمدا صلّى الله عليه وسلّم-فتفرقوا في غيران الجبال، وأحدثوا الرهبانية، فمنهم من تمسك بدينه، ومنهم من كفر». ثم تلا هذه الاية: {وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ} أي: من الذين ثبتوا عليها {أَجْرَهُمْ}.

ثم قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا بن أمّ عبد! أتدري ما رهبانيّة أمّتي؟». قلت: الله ورسوله أعلم. قال:

«الهجرة، والصلاة، والجهاد، والصوم، والحجّ، والعمرة، والتكبير على التلاع». وروي عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لكلّ أمة رهبانية، ورهبانية هذه الأمّة الجهاد في سبيل الله».

الإعراب: {ثُمَّ:} حرف عطف. {قَفَّيْنا:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على جواب القسم، لا محل لها مثلها. {عَلى آثارِهِمْ:} متعلقان بما قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة. {بِرُسُلِنا:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، وهما في محل نصب مفعول به، وصنيع أبي السعود يقتضي: أن الباء زائدة في المفعول، ونصه: أي: ثم أرسلنا بعدهم رسلنا.

انتهى. جمل. و (نا) في محل جر بالإضافة، وجملة: {وَقَفَّيْنا بِعِيسَى} معطوفة على ما قبلها، والإعراب مثلها. {اِبْنِ:} صفة عيسى، أو هو بدل منه، وهو مضاف، و {مَرْيَمَ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي. وجملة: {وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ:} معطوفة على ما قبلها. (جعلنا): فعل، وفاعل. {فِي قُلُوبِ:} متعلقان بما قبلهما، {قُلُوبِ:} مضاف، و {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة، {اِتَّبَعُوهُ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {رَأْفَةً:} مفعول به لجعلنا. (رحمة): معطوف على ما قبله، وهو مرادف له.

{وَرَهْبانِيَّةً:} فيه وجهان: أحدهما: أنه معطوف على {رَأْفَةً وَرَحْمَةً،} وجعل إما بمعنى: خلق، أو بمعنى صير، و {اِبْتَدَعُوها} في هذا صفة ل‍: (رهبانية) وإنما خصت بذكر الابتداع؛ لأن الرأفة، والرحمة في القلب أمر غريزي، لا تكسّب للإنسان فيه، بخلاف الرهبانية فإنها من أفعال البدن، وللإنسان فيها تكسّب، إلا أبا البقاء منع هذا الوجه بأن ما جعله الله لا يبتدعونه. وجوابه ما تقدم من أنها لما كانت مكتسبة صح ذلك فيها. والوجه الثاني: أنها منصوبة بفعل مقدر، يفسره الظاهر، فتكون المسألة من باب الاشتغال، وإليه نحا الفارسي، والزمخشري، وأبو البقاء، وجماعة؛ إلا أن هؤلاء يقولون: إنه إعراب المعتزلة، وذلك: أنهم يقولون: ما كان من فعل الإنسان؛ فهو مخلوق له، فالرأفة، والرحمة لمّا كانتا من فعل الله؛ نسب خلقهما إليه، والرهبانية لما لم تكن من فعل الله تعالى، بل من فعل العبد يستقل بفعلها؛ نسب ابتداعها إليه. انتهى. جمل نقلا عن السمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>