للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤمنين: أنهم يتناجون بما يسوءهم، فيحزن المؤمنون لذلك، ويقولون: ما نراهم إلا قد بلغهم عن إخواننا الذين خرجوا في السرايا قتل، أو هزيمة، فيقع ذلك في قلوبهم، ويحزنهم، فلما طال على المؤمنين وكثر شكوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمرهم ألاّ يتناجوا دون المؤمنين، فلم ينتهوا، فأنزل الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى} أي: المناجاة فيما بينهم.

{ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ} أي: يرجعون إلى المناجاة التي نهوا عنها. وفي الجمل: صيغة المضارع للدلالة على تمكن عودهم، وتجدده، واستحضار صورته العجيبة. {وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ} أي: ويتحدثون فيما بينهم بما هو إثم وعدوان، ومخالفة لأمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن حديثهم يدور حول الكيد، والمكر بالمسلمين. قال أبو حيان: بدأ بالإثم لعمومه ثم بالعدوان لعظمته في النفوس؛ إذ هو ظلامات العباد، ثم ترقى إلى ما هو أعظم، وهو معصية الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ومخالفة أمره، وفي هذا طعن على المنافقين؛ إذ كان تناجيهم في ذلك. وانظر شرح (الإثم) في الاية رقم [٣٢] من سورة (النجم).

{وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ} أي: وإذا حضروا عندك يا محمد؛ حيوك بتحية ظالمة، لم يشرعها الله، ولم يأذن بها، وهي قولهم: (السامّ عليكم) أي: الموت عليكم. قال المفسرون: كان اليهود يأتون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيقولون: السّلام عليكم بدلا من: السّلام عليكم، والسامّ: الموت، وهو ما أرادوه بقولهم، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول لهم: «وعليكم». لا يزيد عليها، فسمعتهم عائشة-رضي الله عنها-يوما، فقالت: بل عليكم السامّ، واللعنة، فلما انصرفوا؛ قال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مهلا يا عائشة! إن الله يكره الفحش، والتفحش». فقالت:

يا رسول الله! أما سمعت ما قالوا؟ فقال لها: «أما سمعت ما قلت لهم؟ إني قلت لهم:

وعليكم، فيستجيب الله لي فيهم، ولا يستجيب لهم فيّ». رواه البخاري وغيره مع اختلاف في بعض الألفاظ باختلاف الروايات.

{وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ} أي: يقولون: لو كان محمد نبيا؛ لعذبنا الله، ولما أمهلنا بسبه، والاستخفاف به، وجهلوا: أن الله تعالى حليم، ولا يعاجل من سبه، فكيف من سبب نبيه؟ وقد ثبت: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا أحد أصبر على الأذى من الله، يدعون له الصاحبة، والولد، وهو يعافيهم، ويرزقهم». فأنزل الله هذه الاية كشفا لسرائرهم، وفضحا لبواطنهم، ومعجزة لرسوله صلّى الله عليه وسلّم.

{حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ:} المعنى إن تعجيل العذاب في الدنيا، إنما يكون بحسب المشيئة والمصلحة، وإذا لم تقتض المشيئة والمصلحة تعجيله، فعذاب جهنم يوم القيامة كافيهم.

{يَصْلَوْنَها} أي: يحترقون فيها، وانظر الاية رقم [١٦] من سورة (الطور). {فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي:

بئس المرجع، والماب، والمقر، والمال يوم القيامة. وانظر شرح (نعم) و (بئس) في الاية رقم

<<  <  ج: ص:  >  >>