للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤٨] من سورة (الذاريات) هذا؛ ومعنى {حَسْبُهُمْ:} تكفيهم. وهذا المعنى وارد في كثير من الايات القرآنية.

هذا؛ والتحية مصدر: حيّاه الله بتشديد الياء، وأصل معناه: الدعاء له بالحياة، ثم عم في كل كلام يلقيه بعض الناس على بعض بقصد الدعاء، كقولهم: أبيت اللعن، وأنعم صباحا، وأنعم مساء، ونحو ذلك، ثم خصته الشريعة الإسلامية بكلام معين، وهو قول القائل: السّلام عليكم. هذا؛ وقد قال الله تعالى في سورة (النساء) رقم [٨٦]: {وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها} والمعنى: إذا سلم عليكم أحد بسلام؛ فردوا بأحسن منه، أو ردوه بمثله، فالأحسن أن يزيد الرادّ على المسلم (ورحمة الله) وإذا قال المسلم: (السّلام عليكم ورحمة الله) يزيد الرادّ: (وبركاته) وإذا قال المسلم: (السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته) لا يزيد الرادّ شيئا بل يرد هذا الكلام بعينه فقط، واعلم: أن البدء بالسلام سنة، ورده فرض كفاية، والبدء أفضل من الردّ، وكل جملة فيها عشر حسنات، سواء صدرت من المسلم، أو من الراد، وقد رغب الرسول صلّى الله عليه وسلّم في إفشاء السّلام، والإكثار من إلقائه. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنه-: أن رجلا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الإسلام خير؟

قال: «تطعم الطّعام، وتقرأ السّلام على من عرفت، ومن لم تعرف». رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تدخلون الجنة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه؛ تحاببتم؟ أفشوا السّلام بينكم». رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه.

هذا؛ وإذا ورد على إنسان تحية بكتاب، أو بواسطة شخص، ينبغي أن يرد الجواب؛ لأن الكتاب من الغائب كالسلام من الحاضر. روي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-أنه كان يرى رد الكتاب واجبا، كما يرى رد السّلام من الحاضر. والله أعلم.

هذا؛ واختلف في بدء السّلام على اليهود، والنصارى، والرد عليهم. فمنعه بعضهم، وجوز بعضهم تحية الكافر، وأن يبدأ بها، فقال النخعي: إذا كانت لك حاجة عند يهودي، أو نصراني فابدأه بالسلام. فظهر بذلك: أن قول النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ الذي رواه أبو هريرة-رضي الله عنه-: «لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسّلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق، فاضطرّوهم إلى أضيقه». رواه مسلم وأبو داود، والترمذي؛ إذا كان لغير سبب يدعوكم إلى أن تبدؤوهم بالسلام، من قضاء ذمام، أو حاجة تعرض لكم قبلهم، أو حق صحبة، أو جوار، أو سفر... إلخ.

قال الطبري: وقد روي عن السلف: أنهم كانوا يسلمون على أهل الكتاب. وفعل ابن مسعود-رضي الله عنه-بدهقان صحبه في طريقه. قال علقمة بن قيس: فقلت له: يا أبا عبد الرحمن! أليس يكره أن يبدؤوا بالسلام؟ قال نعم، ولكن حق الصحبة. وسئل الأوزاعي عن

<<  <  ج: ص:  >  >>