للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأنصار من غير أهل بدر: «قم يا فلان! وأنت يا فلان!». فلم يزل يقيمهم بعدة النفر الذين هم قيام بين يديه من المهاجرين، والأنصار أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه، وعرف النبي صلّى الله عليه وسلّم الكراهة في وجوههم، فقال المنافقون: ألستم تزعمون: أن صاحبكم هذا يعدل بين الناس؟ والله ما رأيناه عدل على هؤلاء، إن قوما أخذوا مجالسهم، وأحبوا القرب من نبيهم، فأقامهم، وأجلس من أبطأ عنه. فبلغنا: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «رحم الله رجلا يفسح لأخيه».

فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعا، فيفسح لإخوانهم، ونزلت هذه الاية يوم الجمعة. هذا؛ وقيل:

نزلت الاية في ثابت بن قيس بن شماس، انظر الاية رقم [١١] من سورة (الحجرات).

وقد ورد عن ابن عمر-رضي الله عنهما-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه، فيجلس فيه، ولكن تفسّحوا، وتوسّعوا». أخرجه الشيخان، وأحمد. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يقم الرجل الرجل من مجلسه، ثمّ يجلس فيه، ولكن افسحوا يفسح الله لكم». أخرجه الإمام أحمد.

وقد اختلف الفقهاء في جواز القيام للوارد؛ إذا جاء على أقوال، فمنهم من رخص في ذلك محتجا بحديث: «قوموا إلى سيّدكم». ومنهم من منع ذلك محتجا بحديث: «من أحبّ أن يتمثّل له الرجال قياما فليتبوّا مقعده من النّار». ومنهم من فصّل، فقال: يجوز عند القدوم من سفر، وللحاكم في محل ولايته، كما دل عليه قصة سعد بن معاذ-رضي الله عنه-، فإنه لما استقدمه النبي صلّى الله عليه وسلّم حاكما في بني قريظة، فرآه مقبلا قال للمسلمين: «قوموا إلى سيّدكم». وما ذاك إلا ليكون أنفذ لحكمه، والله أعلم. فأما اتخاذه ديدنا فإنه من شعار العجم، وقد جاء في السنن: أنه لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان إذا جاء لا يقومون له؛ لما يعلمون من كراهته لذلك. انتهى. مختصر ابن كثير. يروى أن حسان-رضي الله عنه-كان جالسا فمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقام، فقال مرتجلا: [الوافر] قيامي للعزيز عليّ فرض... وترك الفرض ما هو مستقيم

أقول لمن له عقل وذهن: ... يرى هذا الجمال ولا يقوم

ولم ينكر عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك بل تبسم؛ حتى بدت نواجذه، وكأنه إقرار منه صلّى الله عليه وسلّم لفعل حسان. وأقول: واستدلت الشافعية بهذه الحادثة على أن الأدب خير من الامتثال. وأما الحنفية فيقولون: الامتثال خير من الأدب.

هذا؛ والاية الكريمة تنوه بفضل العلم وفضل أهله. وخذ نبذة من أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم في بيان ذلك، فعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بعبد خيرا؛ فقّهه في الدّين، وألهمه رشده». رواه الطبراني في الكبير. وروى البخاري، ومسلم عن

<<  <  ج: ص:  >  >>