من أحب الله؛ عادى أعداءه، ولا يجتمع في قلب واحد حب الله، وحب أعدائه، كما لا يجتمع النور، والظلام. قال المفسرون: غرض الاية: النهي عن مصادقة، ومحبة الكفرة، والمجرمين من المسلمين، ولكنها جاءت بصورة إخبار مبالغة في النهي، والتحذير. انتهى.
صفوة التفاسير.
قال الخازن-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: قد أجمعت الأمة على أنه تجوز مخالطتهم، ومعاملتهم، ومعاشرتهم، فما هذه المودة المحظورة؟ قلت: المودة المحظورة هي: مناصحتهم، وإرادة الخير لهم دينا ودنيا مع كفرهم، فأما ما سوى ذلك؛ فلا حظر فيه. انتهى.
وقال القرطبي: قال السدي: نزلت في عبد الله بن عبد الله بن أبيّ جلس إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فشرب النبي صلّى الله عليه وسلّم ماء، فقال له: بالله يا رسول الله ما أبقيت من شرابك فضلة أسقيها أبي، لعلّ الله يطهر بها قلبه؟ فأفضل له، فأتاه بها، فقال له والده: ما هذا؟ فقال: هي فضلة من شراب النبي صلّى الله عليه وسلّم، جئتك بها تشربها، لعل الله يطهر قلبك بها! فقال له أبوه: فهلا جئتني ببول أمك، فإنه أطهر منها! فغضب، وجاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقال: يا رسول الله! أما تأذن لي في قتل أبي؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«بل ترفق به، وتحسن إليه». وقال ابن جريج-رحمه الله تعالى-: حدثت أن أبا قحافة سب النبي صلّى الله عليه وسلّم، فصكه أبو بكر ابنه-رضي الله عنه-صكة، فسقط منها على وجهه، ثم أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك له، فقال:«أو فعلته؟! لا تعد إليه!». فقال: والذي بعثك بالحق نبيا لو كان السيف مني قريبا؛ لقتلته! وقال ابن مسعود-رضي الله عنه-: نزلت في أبي عبيدة بن الجراح-رضي الله عنه-قتل أباه يوم أحد. وقيل: يوم بدر، وكان الأب يتصدى لأبي عبيدة، وأبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصد إليه أبو عبيدة، فقتله، فأنزل الله حين قتل أباه:{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الاية، وهذا قاله كثير من المفسرين، وهو المعتمد.
{أَوْ أَبْناءَهُمْ} يعني: أبا بكر-رضي الله عنه-دعى ابنه عبد الله. وقيل: عبد الرحمن إلى البراز يوم بدر فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «متّعنا بنفسك يا أبا بكر! أما تعلم أنّك عندي بمنزلة السّمع والبصر؟!».
{أَوْ إِخْوانَهُمْ} يعني: مصعب بن عمير-رضي الله عنه-قتل أخاه عبيد بن عمير يوم بدر. {أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} يعني: عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر.
وعليا، وحمزة-رضي الله عنهما-قتلا عتبة، وشيبة، والوليد يوم بدر، وهم بنو عمهم، وعشيرتهم.
انتهى. قرطبي بتصرف. هذا؛ وقد بدأ الله بالاباء؛ لأن طاعتهم واجبة على الأولاد، ثم بالأبناء؛ لأنهم أعلق بالقلوب، ثم بالإخوان؛ لأن بهم التعاضد، ثم بالعشيرة؛ لأن بهم التناصر، والمقاتلة، والتغلب على الأعداء. قال قريط بن أنيف العنبري في مدح بني مازن:[البسيط] قوم إذا الشّرّ أبدى ناجذيه لهم... طاروا إليه زرافات وواحدانا
لا يسألون أخاهم حين يندبهم... في النّائبات على ما قال برهانا