للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ} أي: أثبت الإيمان، ومكنه في قلوبهم، فهي مؤمنة موقنة مخلصة، وإنما ذكر القلوب؛ لأنها موضع الإيمان. {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} أي: قواهم بنصر منه. وإنما سمى نصره إياهم: روحا؛ لأن أمرهم حيي به. وقيل: بالإيمان. وقيل:

بالقرآن. وقيل: بجبريل. وقيل: برحمته. وقال ابن جريج: أيدهم بنور، وإيمان، وبرهان، وهدى. {وَيُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} أي: ويدخلهم في الاخرة بساتين، وحدائق فسيحة تجري من تحت قصورها أنهار الجنة. {خالِدِينَ فِيها:} ماكثين فيها أبد الابدين. لم يذكر الأبد هنا، وذكر في آخر سورة (المائدة)، وغيرها، ويحمل المطلق على المقيد.

{رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} أي: قبل الله أعمالهم، فرضي عنهم، ونالوا ثوابه، فرضوا بما أعطاهم. جاء في مختصر ابن كثير ما يلي: وفي قوله تعالى: {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} سر بديع، وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله تعالى؛ عوضهم الله بالرضا عنهم، وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم، والفوز العظيم، والفضل العميم. {أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ} أي: هؤلاء حزب الله، وخاصته، وأهل كرامته. {أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ:} هذا تنويه بفلاحهم، وسعادتهم في الدنيا، والاخرة. وهذا كله في مقابلة قوله تعالى: {أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ..}. إلخ.

قال سعيد بن أبي سعيد الجرجاني-رحمه الله تعالى-عن بعض مشايخه: قال داود عليه السّلام: إلهي من حزبك، وحول عرشك؟ فأوحى الله إليه: يا داود الغاضة أبصارهم، النقية قلوبهم، السليمة أكفهم، أولئك حزبي، وحول عرشي. انتهى. قرطبي.

وفي الحديث: «إن الله يحبّ الأتقياء الأخفياء الأبرياء؛ الذين إذا غابوا؛ لم يفتقدوا، وإذا حضروا؛ لم يدعوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كلّ فتنة سوداء مظلمة؛ فهؤلاء أولياء الله الذين قال الله فيهم: {أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»}. أخرجه ابن أبي حاتم. وقال الحسن-رضي الله عنه-: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي يدا ولا نعمة، فإني وجدت فيما أوحيته إليّ: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ..}. إلخ». أخرجه أبو أحمد العسكري. انتهى. مختصر ابن كثير.

هذا؛ وقال النسفي: وعن الثوري أنه قال: كانوا يرون: أن الاية نزلت فيمن يصحب السلطان. وعن عبد العزيز بن أبي روّاد: أنه لقي المنصور العباسي في الطواف، فلما عرفه هرب منه، وتلاها. وقال سهل: من صح إيمانه، وأخلص توحيده؛ فإنه لا يأنس بمبتدع، ولا يجالسه، ويظهر له من نفسه العداوة، ومن داهن مبتدعا؛ سلبه الله حلاوة السنن، ومن أجاب مبتدعا لطلب عز الدنيا، أو غناها؛ أذله الله بذلك العز، وأفقره بذلك الغنى، ومن ضحك إلى مبتدع؛ نزع الله نور الإيمان من قلبه، ومن لم يصدق؛ فليجرب. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>