للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، لما دخل المدينة صالحه بنو النّضير، وغيرهم من قبائل اليهود على أن لا يقاتلوه، ولا يقاتلوا معه، فقبل ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلما وقعت غزوة بدر، وانتصر الرسول صلّى الله عليه وسلّم على المشركين؛ قال بنو النّضير: والله إنه النبي الأمي، الذي نجد نعته في التوراة، لا ترد له راية، فلما حصلت غزوة أحد، وهزم المسلمون؛ ارتابوا، وأظهروا العداوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وللمؤمنين، ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وركب كعب بن الأشرف (عربي تهود) في أربعين راكبا من اليهود إلى مكة، فأتوا قريشا، فحالفوهم، وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمد صلّى الله عليه وسلّم، ودخل أبو سفيان في أربعين من قريش، وكعب بن الأشرف في أربعين من اليهود المسجد الحرام، وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين أستار الكعبة، ثم رجع كعب-أخزاه الله- وأصحابه إلى المدينة، فنزل جبريل عليه الصلاة والسّلام، فأخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بما تعاقد عليه كعب، وأبو سفيان، وأمره بقتل كعب بن الأشرف، فقتله محمد بن مسلمة-رضي الله عنه-غيلة.

وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد اطلع منهم على خيانة حين أتاهم يستعينهم في دية الرجلين المسلمين، اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري-رضي الله عنه-في منصرفه من بئر معونة، فهموا بطرح حجر على النبي صلّى الله عليه وسلّم من الحصن، فعصمه الله منهم، وأخبره بذلك، وقد تقدمت القصة في سورة (المائدة) فلما قتل كعب بن الأشرف أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمر الناس بالمسير إلى بني النضير، وكانوا بقرية يقال لها: زهرة، فلما سار إليهم النبي صلّى الله عليه وسلّم وجدهم ينوحون على كعب بن الأشرف، فقالوا: يا محمد! واعية على إثر واعية، وباكية على إثر باكية؟! قال: «نعم». فقالوا: ذرنا نبك شجونا، ثم ائتمر أمرك، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اخرجوا من المدينة». فقالوا: الموت أحب إلينا من ذلك، ثم تنادوا بالحرب، وأذّنوا بالقتال، ودسّ المنافقون عبد الله بن أبيّ وأصحابه ألاّ تخرجوا من الحصن، فإن قاتلوكم؛ فنحن معكم، ولا نخذلكم، ولننصرنكم، ولئن أخرجتم لنخرجن معكم، فدرّبوا على الأزقة، وحصّنوها.

ثم إنهم أجمعوا على الغدر برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأرسلوا إليه أن اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك، وليخرج منا ثلاثون حتى نلتقي بمكان نصف بيننا وبينك، فيسمعوا منك، فإن صدقوك، وآمنوا بك؛ آمنا كلنا، فخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم في ثلاثين من أصحابه، وخرج إليه ثلاثون حبرا من اليهود، حتى كانوا في براز من أصحابه، فقال بعض اليهود لبعض: كيف تخلصون إليه، ومعه ثلاثون رجلا من أصحابه، كلهم يحب الموت قبله، ولكن أرسلوا إليه كيف نفهم، ونحن ستون؟ اخرج في ثلاثة من أصحابك، ويخرج إليك ثلاثة من علمائنا، فيسمعون منك، فإن آمنوا بك؛ آمنا بك، وصدقناك.

فخرج إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ثلاثة من أصحابه، وخرج ثلاثة من اليهود، معهم الخناجر، وأرادوا الفتك برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير، إلى أخيها، وهو رجل من

<<  <  ج: ص:  >  >>