للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنصار، فأخبرته بما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأقبل أخوها سريعا حتى أدرك النبي صلّى الله عليه وسلّم فسارّه بخبرهم، قبل أن يصل إليهم، فرجع النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما كان من الغد؛ صبحهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالكتائب، فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة، فقذف الله في قلوبهم الرعب، وأيسوا من نصر المنافقين، فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصلح، فأبى عليهم إلا أن يخرجوا من المدينة على ما يأمرهم به، فقبلوا ذلك، فصالحهم على الجلاء. وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من أموالهم، إلا الحلقة، (وهي السلاح) وعلى أن يخلوا لهم ديارهم، وعقارهم وسائر أموالهم.

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: على أن يحمل كل أهل بيت على بعير ما شاؤوا من متاعهم، وللنبي صلّى الله عليه وسلّم ما بقي. وقيل: أعطى كل ثلاثة نفر بعيرا، وسقاء، ففعلوا، وخرجوا من ديارهم إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام، إلا أهل بيتين منهم: آل أبي الحقيق، وآل حيي بن أخطب، فإنهم لحقوا بخيبر، ولحقت طائفة بالحيرة، فذلك قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ} يعني بني النّضير، {مِنْ دِيارِهِمْ} يعني: التي كانت لهم في المدينة. قال ابن إسحاق: كان إجلاء بني النضير مرجع النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد، وفتح قريظة مرجعه من الأحزاب، وبينهما سنتان. انظر فتح موطن بني قريظة في سورة (الأحزاب) تجد ما يسرك ويثلج صدرك.

{لِأَوَّلِ الْحَشْرِ:} الحشر الجمع. قال تعالى في سورة (النمل) رقم [١٧] {وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ..}. إلخ.

و (يحشرون) بالياء، والتاء في كثير من الايات بمعنى: يساقون، ويجمعون، والمراد بأول الحشر هنا: طردهم وإجلاؤهم من المدينة المنورة إلى بلاد الشام، وغيرها، والمراد بالحشر الثاني: طردهم من خيبر، وجميع الجزيرة العربية في عهد عمر-رضي الله عنه-إلى أذرعات، وأريحا، وغيرها. وقيل: ما تقدم هذا أول الحشر من المدينة، ونحوها، والحشر الثاني: نار تحشرهم يوم القيامة من المشرق إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا.

والمعتمد الأول.

{ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا:} لشدة بأسهم، ووثاقة حصونهم، وكثرة عددهم، ووفرة عدتهم.

خرجوا؛ وهم مهانون ذليلون. {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ} أي: وظن بنو النضير: أن حصونهم الحصينة تمنعهم من بأس الله، وتدفع عنهم عذابه، وانتقامه. هذا؛ وحصونهم هي:

الوطيح، والنّطاة، والسلالم، والكتيبة. وفي قوله: {ما ظَنَنْتُمْ..}. إلخ طباق السلب. {فَأَتاهُمُ اللهُ} أي: أمر الله، وعذابه، وعقابه. {مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا:} من حيث لم يظنوا، ولم يخطر ببالهم، وفي كثير من الايات قوله تعالى: {وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ}. {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} أي: الخوف الشديد بقتل سيدهم كعب بن الأشرف، وقذفه: إثباته في قلوبهم.

وفي البخاري ومسلم قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «نصرت بالرعب من مسيرة شهر». فكيف لا ينصره بالرعب مسيرة ميل من المدينة المنورة إلى محلة بني النضير؟ وهذه خصّيصى لمحمد صلّى الله عليه وسلّم دون غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>