خمسة أسهم: سهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أيضا، وسهم لذوي القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطلب؛ لأنهم منعوا الصدقة، فجعل لهم حق في الفيء، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل. وأما بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فالذي كان من الفيء لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصرف عند الشافعي في قول إلى المجاهدين المترصدين للقتال في الثغور؛ لأنهم قائمون مقام الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وفي قول آخر له: يصرف إلى مصالح المسلمين من سد الثغور، وحفر الأنهار، والسدود، وبناء القناطر، والجسور، يقدم الأهم فالأهم، وهذا في أربعة أخماس الفيء. فأما السهم الذي كان من خمس الفيء، والغنيمة، فهو لمصالح المسلمين بعد موته صلّى الله عليه وسلّم بلا خلاف، كما قال صلّى الله عليه وسلّم:«ليس لي من غنائمكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم».
وروى ابن وهب عن الإمام مالك رحمه الله في قوله تعالى:{فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ} بني النضير، لم يكن فيها خمس، ولم يوجف عليها بخيل، ولا ركاب، كانت صافية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقسمها بين المهاجرين، وثلاثة من الأنصار، حسب ما تقدم. وقوله تعالى:
{ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى} هي قريظة، وكانت قريظة والخندق في يوم واحد. قال ابن العربي-رحمه الله تعالى-: قول مالك: إن الاية الثانية في بني قريظة، إشارة إلى أن معناها يعود إلى آية الأنفال رقم [٤١] ويلحقها النسخ، وهذا أقوى من القول بالإحكام، ونحن لا نختار إلا ما قسمنا، وبينا: أن الاية الثانية لها معنى مجدد، وفائدة جديدة. انتهى. قرطبي.
هذا؛ و {الْقُرى} جمع: قرية، وهي اسم للمكان الذي يجتمع فيه القوم، وهو يطلق على المدينة الكبيرة، وغيرها، كيف لا؛ وقد جعل الله مكة المكرمة أم القرى في قوله تعالى:{وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها} الاية رقم [٩٢] من سورة (الأنعام)؟! كما تطلق على الضيعة الصغيرة، وهي مأخوذة من: قريت الماء في المكان: جمعته، وفي «القاموس المحيط»: القرية: بكسر القاف، وفتحها، والنسبة إليها قرويّ بفتح القاف وكسرها، وقرئيّ، والفتح أقوى. {وَلِذِي الْقُرْبى:} وهم بنو هاشم، وبنو المطلب، لما روي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قسم سهم ذوي القربى عليهما، فقال له عثمان وجبير بن مطعم: هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله منهم، أرأيت بني إخواننا من بني المطلب أعطيتهم، وحرمتنا، وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة، فقال صلّى الله عليه وسلّم:«إنهم لم يفارقونا في جاهليّة، ولا في إسلام، وشبّك بين أصابعه». وقيل: هم بنو هاشم وحدهم.
وقيل: جميع قريش، والغني والفقير سواء. وقيل: هو مخصوص بفقرائهم كسهم ابن السبيل.
وانظر آية (الشورى) رقم [٢٣]، وانظر آية (الأنفال) رقم [٤١] ففيها فضل بيان.
(اليتامى): جمع يتيم، وهو من الحيوان من فقد أمه فقط، ومن بني آدم من فقد أباه، أو أمه، أو فقدهما معا، والمراد بهم هنا: من فقدوا معيلهم، وهو الأب، وهناك يتيم العلم، والعقل، والتربية، والخلق، والدين، وهو أسوأ حالا من الأول، وإن كان قد بلغ من العمر الستين، والسبعين، ويملك من الأموال الملايين، ولله در القائل:[البسيط]