والمبوأ: المنزل الملزوم. ومنه بوّأه الله منزلا؛ أي: ألزمه إياه، وأسكنه فيه. قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:
«من كذب عليّ متعمّدا؛ فليتبوأ مقعده من النار». أخرجه البخاري عن أبي هريرة-رضي الله عنه-. هذا؛ ومعنى يتبوأ: ينزل، ويحلل. قال الشاعر:[المنسرح] وبوّئت في صميم معشرها... فتمّ في قومها مبوّؤها
والإيمان لا يتبوأ؛ لأنه ليس بمكان، وفي ذلك تأويلات؛ أحدها: حمله على حذف المضاف، كأنه قيل: تبوءوا الدار ومواضع الإيمان. والثاني: حمله على ما دل عليه «تبوأ» كأنه قال: لزموا الدار، والإيمان، فلم يفارقوهما. والثالث: على تقدير فعل محذوف التقدير:
والذين تبوءوا الدار، واعتقدوا الإيمان، وأخلصوه. وإلى ذلك أشار ابن مالك-رحمه الله تعالى- في ألفيته:[الرجز] والفاء قد تحذف مع ما عطفت... والواو إذ لا لبس وهي انفردت
بعطف عامل مزال قد بقي... معموله دفعا لوهم اتّقي
هذا؛ ومثل هذه الاية قوله تعالى في سورة (الفرقان) رقم [١٢]: {إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً،} والاية رقم [٢٠] من سورة (الحج): {يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ،} ومن شواهده الشعرية قول الراعي النميري، وهو الشاهد [٦٦٥] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الوافر] إذا ما الغانيات برزن يوما... وزجّجن الحواجب والعيونا
إذ التقدير: زججن الحواجب، وكحلن العيونا، وقول الاخر، وهو الشاهد رقم [١٠٧٤] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الرجز] علفتها تبنا وماء باردا... حتّى شتت همّالة عيناها
إذ التقدير: علفتها تبنا، وسقيتها ماء، وأيضا قول لبيد-رضي الله عنه-من معلقته رقم [٦]: [الكامل] فعلا فروع الأيهقان وأطفلت... بالجلهتين ظباؤها ونعامها
إذ التقدير: أطفلت ظباؤها، وباضت نعامها، ولولا الإطالة عليك لذكرت لك الكثير من ذلك.
{يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ} وذلك: أنهم أنزلوا المهاجرين في منازلهم، وأشركوهم في أموالهم، وأراد أحدهم أن يتنازل عن إحدى زوجتيه لأخيه المهاجر محبة دينية. {وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً} أي: حزازة، وغيظا، وحسدا على المهاجرين. {مِمّا أُوتُوا:} مما أعطوا، وخصوا به من مال الفيء وغيره، وفيه تقدير مضافين محذوفين، المعنى: مسّ حاجة من فقد ما أوتوا. وكل ما يجد الإنسان في صدره مما يحتاج إلى إزالته فهو حاجة.