للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنع، والشح: هو الحالة النفسانية؛ التي تقتضي ذلك المنع، روي: أن رجلا قال لابن مسعود -رضي الله عنه-: إني أخاف أن أكون قد هلكت. قال: وما ذاك؟ قال: إني أسمع الله يقول:

{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وأنا رجل شحيح، لا يكاد يخرج من يدي شيء.

فقال ابن مسعود: ليس ذلك بالشح الذي ذكره الله في القرآن، ولكن الشح أن تأكل مال أخيك ظلما، ولكن ذلك البخل، وبئس الشيء البخل. وقيل: الشح هو الحرص الشديد الذي يحمل صاحبه على ارتكاب المحارم، وخذ قول عمرو بن كلثوم التغلبي من معلقته رقم [٤]: [الوافر] ترى اللّحز الشحيح إذا أمرّت... عليه لماله فيها مهينا

هذا؛ وفي الكشاف: الشح بالضم والكسر، وقرئ بهما: اللؤم، وأن تكون نفس الرجل كزة حريصة، كما قال الشاعر: [الطويل] يمارس نفسا بين جنبيه كزّة... إذا همّ بالمعروف قالت له مهلا

وأضيف الشح إلى النفس؛ لأنه غريزة فيها، والكزازة: اليبس، والانقباض، ورجل كز اليدين: إذا كان بخيلا، يصف الشاعر رجلا بالبخل، والشح المطاع، وأنه إذا هم يوما أن يجود بشيء. قالت له نفسه: مهلا، فيطيعها، ويمتنع عن الخير. وأين هذا من قول المتنبي؟: [الطويل] إذا كان ما تنويه فعلا مضارعا... مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم

هذا بالإضافة لما ذكرته بشأن البخل في آخر سورة (محمد صلّى الله عليه وسلّم) وفي سورة (الحديد) رقم [٢٤] أذكر هنا ما يلي: فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «إياكم والظلم! فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. وإياكم والفحش والتفحش! وإياكم والشح! فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالقطيعة، فقطعوا، وأمرهم بالبخل، فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا...» إلخ. رواه أبو داود، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.

وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمع غبار في سبيل الله، ودخان جهنم في جوف عبد أبدا، ولا يجتمع شحّ، وإيمان في قلب عبد أبدا». رواه النسائي وغيره. وفي حديث أنس-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث كفارات، وثلاث درجات، وثلاث منجيات، وثلاث مهلكات، فأما المهلكات؛ فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه». رواه البزار والبيهقي، وغيرهما.

الإعراب: {وَالَّذِينَ:} (الواو): حرف عطف. (الذين): اسم موصول مبني على الفتح في محل جر معطوف على (الفقراء) فهو من عطف المفردات، أو هو في محل رفع مبتدأ، وخبره يأتي، فيكون من عطف الجمل. {تَبَوَّؤُا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {الدّارَ:} مفعول به. (الإيمان): معطوف على ما قبله، أو هو مفعول به لفعل محذوف، كما رأيت في الشرح. {مِنْ قَبْلِهِمْ:} متعلقان بمحذوف حال

<<  <  ج: ص:  >  >>