{تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ:} تخبرونهم بسرائر المسلمين، وتنصحونهم. وهذا ينم عن مودة، ومحبة بينكم، وبينهم. {وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ:} من القرآن، والدين الصحيح؛ الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم. {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيّاكُمْ} أي: من مكة بسبب إيذائهم لكم. {أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ} أي: فعلوا ما فعلوا من الإيذاء، والإخراج؛ لأنكم آمنتم بالله ربكم.
{إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ:} من أوطانكم. {جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي} أي: لأجل الجهاد ولابتغاء وطلب مرضاتي، وجواب الشرط محذوف، التقدير: فلا تتخذوا عدوي... إلخ.
{تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ:} أي تفضون إليهم بمودتكم، أو تسرون إليهم أسرار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بسبب المودة والمحبة لهم، والنصيحة لهم في الكتابة إليهم. قال القرطبي-رحمه الله تعالى-:
وهذا كله معاتبة لحاطب-رضي الله عنه-، وهو يدل على فضله وكرامته، ونصيحته لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وصدق إيمانه، فإن المعاتبة لا تكون إلا من محب لحبيبه، كما قال الشاعر: [الوافر] أعاتب ذا المودّة من صديق... إذا ما رابني منه اجتناب
إذا ذهب العتاب فليس ودّ... ويبقى الودّ ما بقي العتاب
{وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ:} من المودة للكفار. {وَما أَعْلَنْتُمْ} أظهرتم بألسنتكم من المودة لهم.
{وَمَنْ يَفْعَلْهُ} أي: الإسرار، أو الإعلان بالمودة، والنصيحة لهم. {فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ} أي:
أخطأ طريق الهدى، وخرج عن جادة الحق، والصواب.
بعد هذا انظر ما ذكرته في آخر سورة (المجادلة)، فالايتان بمعنى واحد. وقد جاء النهي عن موالاة الكفار في كثير من الايات، مثل قوله تعالى في سورة (آل عمران) رقم [٢٨]: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ،} وأيضا رقم [١١٨] منها: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ،} وقوله تعالى في سورة (النساء) رقم [١٤٤]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ،} وقوله تعالى في سورة (المائدة) رقم [٥١]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ} وغير ذلك كثير.
الإعراب: {يا أَيُّهَا:} (يا): أداة نداء تنوب مناب أدعو. (أيها): نكرة مقصودة مبنية على الضم في محل نصب بأداة النداء. (وها): حرف تنبيه لا محل له، أقحم للتوكيد، وهو عوض من المضاف إليه. ولا يجوز اعتبار الهاء ضميرا في محل جر بالإضافة؛ لأنه حينئذ يجب نصب المنادى. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع بدلا من لفظ (أيها)، وجملة:
{آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {لا تَتَّخِذُوا:} فعل مضارع مجزوم ب: {لا} الناهية، وعلامة جزمه حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق.
{عَدُوِّي:} مفعول به أول منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من