للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاية تؤيد ما عمل به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من التفريق بين رد الرجال المؤمنين لقريش، وعدم ردّ النساء المؤمنات لقريش، وهذا التفريق لأمرين: أحدهما: أنهن ذوات فروج يحرمن عليهم، فيطؤوهنّ كرها. والثاني: أنهن أرق قلوبا، وأسرع تقلبا من الرجال، فأما المقيمة على شركها؛ فمردودة عليهم، وانظر اللاتي لحقن بالمشركين مرتدات في الاية التالية.

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ:} قيل: إنه كانت من أرادت منهن إضرار زوجها لكراهتها له؛ قالت: سأهاجر إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم، فلذلك أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بامتحانهن. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كانت المرأة تستحلف بالله: أنها ما خرجت بغضا لزوجها، ولا رغبة من أرض إلى أرض، ولا التماس دنيا، ولا عشقا لرجل منا، بل حبا لله، ورسوله، فإذا حلفت بالله الذي لا إله إلا هو على ذلك؛ أعطى النبي صلّى الله عليه وسلّم زوجها مهرها، وما أنفق عليها، ولم يردّها.

{اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ} أي: هذا الامتحان لكم، والله أعلم بإيمانهن منكم، فإنكم وإن رزتم أحوالهن لا تعلمون ذلك حقيقة، وعند الله حقيقة العلم به؛ لأنه متولي السرائر. {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ:} أي فإن تحققتم إيمانهن بعد امتحانهن؛ فلا تردوهن إلى أزواجهن الكفار {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} أي: لا حل بين المؤمنة، والمشرك؛ لوقوع الفرقة بينهما لاختلاف الدين. والثاني: للمنع عن الاستئناف بإعادة النكاح؛ إذا لم يسلم الزوج.

{وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا:} أمر الله تعالى إذا أمسكت المرأة المسلمة، ومنعت من زوجها؛ أن يردّ عليه ما أنفق عليها، وذلك من الوفاء بالعهد؛ لأنه لما منع منها بحرمة الإسلام، أمر الله برد المال إليه، حتى لا يقع عليهم خسران من الوجهين: الزوجة، والمال. {وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي: مهورهن. أباح الله للمسلمين نكاح المهاجرات من دار الحرب إلى دار الإسلام، وإن كان لهن أزواج كفار في دار الحرب؛ لأن الإسلام فرق بينهن، وبين أزواجهن الكفار، ووقعت الفرقة بانقضاء عدتها، فإن أسلم الزوج قبل انقضاء عدتها؛ فهي زوجته، وبه قال الأوزاعي، والليث بن سعد، ومالك، والشافعي، وأحمد. وقال أبو حنيفة تقع الفرقة باختلاف الدارين. انتهى. خازن. فإن أسلمت قبل الدخول بها بطل النكاح في الحال، ولها التزوج من غير عدة تعتدها.

{وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ:} جمع عصمة، والعصمة: عقد النكاح، وكل ما عصم به الشيء، فهو عصام، وعصمة، و {الْكَوافِرِ} جمع: كافرة، كضوارب في ضاربة. فقد نهى الله عن المقام على نكاح المشركات، والمعنى: من كانت له امرأة كافرة بمكة؛ فلا يعتدها، فقد انقطعت عصمة الزوجية بينهما. قال الزهري: لما نزلت هذه الاية طلق عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-امرأتين له كانتا بمكة مشركتين: قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة، فتزوجها معاوية بن أبي

<<  <  ج: ص:  >  >>