للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: {وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ}. فقالت هند: والله إن البهتان لقبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد، ومكارم الأخلاق. هذا؛ وقيل: كنى بالبهتان المفترى عن اللقيط، وهي من لطائف الكنايات، وهذا قول الجمهور، فقد كانت المرأة تلتقط ولدا، فتلحقه بزوجها، وتقول: هذا ولدي منك. فكان هذا من البهتان والافتراء، فقد كنى سبحانه وتعالى بما بين يديها ورجليها عن الولد؛ لأن بطنها الذي تحمل فيه الولد بين يديها، وفرجها الذي تلد منه بين رجليها، وهذا عام في الإتيان بولد وإلحاقه بالزوج وإن سبق النهي عن الزنى.

ثم قال صلّى الله عليه وسلّم: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قالت هند: ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء. فأقر النسوة بما أخذ عليهن من البيعة. قال ابن الجوزي: وجملة من أحصي من المبايعات أربعمئة وسبعة وخمسون امرأة، ولم يصافح في البيعة امرأة، وإنما بايعهن بالكلام.

عن عائشة-رضي الله عنها-قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبايع النساء بالكلام بهذه الاية على أن لا يشركن بالله شيئا، وما مست يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يد امرأة لا يملكها. هذا؛ ومعنى: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} أي: في كل ما تأمرهن به، أو تنهاهن عنه. وقيل: في كل أمر وافق طاعة، وكل أمر فيه رشد. وقيل: هو النهي عن النوح، والدعاء بالويل، وتمزيق الثياب، وقص الشعر، ونتفه، وخمش الوجه، وأن لا تحدّث المرأة الرجال الأجانب، وأن لا تخلو برجل غير ذي محرم، ولا تسافر مع غير ذي محرم. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-في قوله: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} إنما هو شرط شرطه الله على النساء. وأخرجه البخاري.

{فَبايِعْهُنَّ} يعني: إذا بايعنك على هذه الشروط؛ فبايعهن. {وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ} أي: اطلب من الله أن يغفر لهن ما سلف من ذنوبهن، وأهم، وأعظم هذه الذنوب الشرك. وما فعلته هند بالحمزة-رضي الله عنه-من عظائم الإثم. ومع هذا كله فقد أمر الله نبيه أن يعفو عنهن، ويتجاوز عن سيئاتهن، بل وأمره أن يستغفر لهن، ويلتمس من الله العفو عنهن، والمغفرة لذنوبهن، وما ذاك إلا؛ لأن الإسلام يجبّ ما قبله، فعن أميمة بنت أخت السيدة خديجة، وبنت خالة فاطمة الزهراء-رضي الله عنهن-. قالت: بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نسوة، فقال: «فيما استطعتنّ، وأطعتنّ». قلنا: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا. قلنا: يا رسول الله! ألا تصافحنا؟ قال: «إنّي لا أصافح النساء، إنما قولي لامرأة واحدة قولي لمئة امرأة». أخرجه الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وعن سلمى بنت قيس، وكانت إحدى خالات رسول الله، وقد صلت معه إلى القبلتين.

قالت: جئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نبايعه في نسوة من الأنصار، فلما شرط علينا ألا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف؛ قال: «ولا تغششن أزواجكن». قالت: فبايعناه، ثم انصرفنا، فقلت لامرأة منهن:

ارجعي، فسلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما غشّ أزواجنا؟ قال: فسألته، فقال: «تأخذ ماله فتحابي به غيره». أخرجه الإمام أحمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>