للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أم عطية-رضي الله عنها-قالت: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ علينا {أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً} ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة منّا يدها، فقالت: فلانة أسعدتني، فأريد أن أجزيها، فما قال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا، فانطلقت، ورجعت فبايعها، فما وفى منهن امرأة غيرها، وغير أم سليم ابنة ملحان. أخرجه البخاري، ومسلم، أما مبايعة الرجال؛ فخذها مما يلي:

فعن عبادة بن الصامت-رضي الله عنه-قال: أخذ علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما أخذ على النساء: «ألاّ تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا يعضه بعضكم بعضا، ولا تعصوا في معروف أمركم به». ثم قال صلّى الله عليه وسلّم: «فمن وفى منكم؛ فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا، فعوقب؛ فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا، فستره الله، فهو إلى الله، إن شاء عذّبه، وإن شاء غفر له منها». رواه البخاري. هذا؛ ومعنى: (يعضه): يسحر، والعضه: السحر.

قال القرطبي رحمه الله: ذكر الله-عز وجل-ورسوله صلّى الله عليه وسلّم في صفة البيعة خصالا شتى، صرح فيهن بأركان النهي في الدين، ولم يذكر أركان الإيمان، وهي ستة أيضا: الشهادة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحجّ، والاغتسال من الجنابة، وذلك؛ لأن النهي دائم في كل الأزمان وكل الأحوال، فكان التنبيه على اشتراط الدائم آكد. وقيل: إن هذه المناهي كان في النساء كثير من يرتكبها، ولا يحجزهن عنها شرف النسب، فخصّت بالذكر لهذا.

تنبيه: كان قتل الأولاد فاشيا في الجاهلية، لذا فقد نهى الله عنه في كثير من الايات، ولكن هذا القتل هل كان يقتصر على البنات، أو يتعدى إلى الذكور؟ المعروف: أن عامتهم كانوا يكرهون البنات، وأن الكثير منهم كانوا يئدون البنات؛ حتى نتج عن ذلك نقص في الإناث في بعض القبائل العربية، ولذا اضطر الواحد منهم إلى التزوج من قبيلة أخرى بمهر كثير، وأما قتل الذكور، فكان قليلا جدا، وكان لا يقع إلا في حالات شدة المعيشة، والفقر الشديد؛ لأنهم كانوا يتكثرون بالذكور، ويعتزون بهم، كما هو معروف، ومشهور.

هذا؛ ويكثر السؤال في هذه الأيام عن منع الحمل، بل، وعن إسقاط الجنين باستعمال بعض العقاقير. والجواب يكون بعونه تعالى كما يلي: منع الحمل إذا كان على اتفاق بين الزوجين قبل العلوق، ولسبب من الأسباب، كضعف الزوجة، وعجزها عن القيام بخدمة الأولاد، فهو من المباحات؛ التي لا حرج فيها، وأما إذا كان هربا من نفقات الأولاد، وتكاليف الحياة، فهو مكروه كراهة شديدة، فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وهو يدخل تحت قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «العزل هو الوأد الخفيّ». وإسقاط الجنين بعد التخلق مكروه كراهة شديدة، ما لم يكن هناك خطر على المرأة، كما يحدث في بعض الحالات، فهو من المباحات، أما إسقاطه بعد نفخ الروح؛ فهو قتل نفس، ويدخل تحت الوعيد الشديد؛ الذي قال الله تعالى فيه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ..}. إلخ الاية رقم [٩٣] من سورة (النساء) ما لم تكن هناك ضرورة شديدة تدعو لإسقاطه، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>