وتتخذونهم أصدقاء، وأخلاء، وهم قوم مغضوب عليهم؟! وهذا يفيد: أن الاية عامة في جميع الكفار. وقال الحسن البصري: هم اليهود والنصارى. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هم كفار قريش؛ لأن كل كافر عليه غضب من الله. انتهى. صفوة التفاسير، ومختصر ابن كثير.
وفي القرطبي، والكشاف، والخازن: إن ناسا من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأخبار المؤمنين، ويواصلونهم، فيصيبون بذلك من ثمارهم، فنهوا عن ذلك. وقال السيوطي في أسباب النزول: كان عبد الله بن عمر، وزيد بن الحارث يوادان رجالا من يهود، فأنزل الله الاية. هذا؛ وقال أحمد محشي الكشاف: قد كان الزمخشري ذكر في قوله تعالى: {وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ} إلى قوله: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا} الاية رقم [١٢] من سورة (فاطر): أن آخر الاية استطراد، وهو فن من فنون البيان، مبوب عليه عند أهله، وآية الممتحنة هذه ممكنة أن تكون من هذا الفن جدا، فإنه ذم اليهود، واستطرد ذمهم بذم المشركين على نوع حسن من النسبة، وهذا لا يمكن أن يوجد للفصحاء في الاستطراد أحسن، ولا أمكن منه، ومما صدروا هذا الفن به قول الشاعر:[الطويل] إذا ما اتقى الله الفتى، وأطاعه... فليس به بأس وإن كان من جرم
وقول حسان بن ثابت-رضي الله عنه-في هجاء الحارث بن هشام، وكان هرب في غزوة بدر الكبرى [الكامل] إن كنت كاذبة الّتي حدّثتني... فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبّة أن يقاتل دونهم... ونجا برأس طمرّة ولجام
{قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ} أي: من أن يكون لهم حظ في الاخرة لعنادهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهم يعلمون: أنه الرسول المنعوت في التوراة. {كَما يَئِسَ الْكُفّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ} أي: كما يئس الكفار المكذبون بالبعث والنشور من أمواتهم أن يعودوا إلى الحياة مرة ثانية بعد أن يموتوا، فقد كانوا يقولون إذا مات لهم قريب، أو صديق: هذا آخر العهد به، ولن يبعث أبدا. وهذا قول ابن عباس، وقتادة، والحسن، وقال مجاهد: معناه: أنهم يئسوا من نعيم الاخرة، كما يئس الكفار الذين هم في القبور من كل خير. والأول أظهر، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
هذا؛ واليأس: القنوط، وقطع الأمل، والطماعية في الشيء. قال تعالى في سورة (يوسف) حكاية عن قول يعقوب لأولاده: {يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ}. هذا؛ والفعل:{يَيْأَسُ} بياء المضارعة قد يأتي بمعنى:
يعلم، وبه فسر قوله تعالى في سورة (الرعد) رقم [٣١]: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النّاسَ جَمِيعاً}. قال الكلبي: هو بمعنى: أفلم يعلم. وهي لغة النخع. وقيل: هي لغة هوازن.
ويؤيده ما روي: أنّ عليا، وابن عباس، وجماعة من الصحابة والتابعين-رضوان الله عليهم