صلّى الإله ومن يحفّ بعرشه... والطّيّبون على المبارك أحمد
فعيسى-عليه الصلاة والسّلام-هو خاتم أنبياء بني إسرائيل، وقد أقام في ملأ بني إسرائيل مبشرا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين؛ الذي لا رسالة بعده، ولا نبوة، وهو صريح قوله تعالى في سورة (الأحزاب) رقم [٤٠]: {ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ}. وما أحسن ما أورد البخاري عن جبير بن مطعم. قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي؛ الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر؛ الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب». أخرجه البخاري، ومسلم، ومعنى العاقب: الذي لا نبي بعده.
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه العهد: لئن بعث محمد، وهو حي ليتبعنّه، وأخذ عليه أن يأخذ على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليتبعنّه وينصرنّه. وقال محمد بن إسحاق عن خالد بن معدان-رضي الله عنه-، عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنهم قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك! قال: «أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور، أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام». قال ابن كثير:
إسناده جيد. وعن العرباض بن سارية-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إني عند الله لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأوّل ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين». أخرجه الإمام أحمد. هذا؛ وبشارة عيسى عليه السّلام ما ذكر في هذه السورة، أما دعوة إبراهيم عليه السّلام؛ فهي قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [١٢٩] حكاية عن قول إبراهيم: {رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
وجملة القول: أن الأنبياء-عليهم جميعا ألف صلاة، وألف سلام-لم تزل تصفه، وتذكره في كتبها على أممها، من لدن آدم إلى عيسى ابن مريم، وتأمرهم باتباعه، ونصرته، ومؤازرته إذا بعث، وكان أول ما اشتهر الأمر في أهل الأرض على لسان إبراهيم الخليل والد الأنبياء، والمرسلين جميعا حين دعا لأهل مكة يوم أسكن ابنه إسماعيل فيها، وبنى الكعبة أن يبعث الله فيهم رسولا منهم، وكذا على لسان عيسى، كما رأيت.
{فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ} أي: فلما جاءهم عيسى بالمعجزات الواضحات من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه، والأبرص، ونحو ذلك من المعجزات الدالة على صدقه في دعوى الرسالة. هذا هو الظاهر أن الضمير يعود إلى عيسى عليه الصلاة والسّلام؛ لأنه المحدث عنه، وهو اختيار البيضاوي، والالوسي، وصاحب البحر المحيط. وقال ابن جريج-رحمه الله تعالى-: بل الضمير يعود إلى {أَحْمَدُ} المبشر به في الأعصار المتقادمة، المنوه بذكره في القرون السالفة.