لا الودع ينفعه حمل الجمال له... ولا الجمال بحمل الودع تنتفع
{بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ} أي: بئس مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله الدالة على صحة نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم، والمراد من الايات: آيات التوراة؛ لأنهم كذبوا بها حين تركوا الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وهي تصفه بصفاته الجسدية، والخلقية. قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [١٤٦]: {الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ}. أو المراد من الايات: آيات القرآن، حيث لم يؤمنوا بها، ولم يستجيبوا لما تأمرهم به من اتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم، والاهتداء بهديه. {وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ} أي: لا يوفق للإيمان من سبق في علمه الأزلي: أنه يكون ظالما كافرا.
أو المراد: الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، والخروج عن جادة الحق والصواب.
هذا؛ وفي الخازن: وهذا مثل ضربه الله تعالى لليهود؛ الذين أعرضوا عن العمل بالتوراة، والإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، شبهوا إذ لم ينتفعوا بها في الاية الكريمة التشبيه التمثيلي؛ لأن وجه الشبه منتزع من متعدد، كما ذكرت لك. كذلك علماء اليهود الذين يقرؤون التوراة، ولا ينتفعون بها؛ لأنهم خالفوا ما فيها. وهذا المثل يلحق من لم يفهم معاني القرآن، ولم يعمل بما فيه، وأعرض عنه إعراض من لا يحتاج إليه، ولا يكون له منها إلا التعب والعناء. ولهذا قال ميمون بن مهران: يا أهل القرآن اتّبعوا القرآن قبل أن يتبعكم، ثم تلا هذه الاية. انتهى. خازن. هذا؛ وخذ نبذة من أحاديث النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذا الصدد:
عن أسامة بن زيد-رضي الله عنهما-: أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه، فيدور بها كما يدور الحمار برحاه، فتجتمع عليه أهل النّار، فيقولون: يا فلان! ما شأنك؟ ألست كنت تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف، ولا آتيه، وأنهاكم عن الشرّ وآتيه». قال: وإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«مررت ليلة أسري بي بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟! قال: خطباء أمّتك الذين يقولون ما لا يفعلون». رواه البخاري، ومسلم. وعن أبي برزة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل الّذي يعلّم الناس الخير، وينسى نفسه مثل الفتيلة تضيء للناس، وتحرق نفسها». رواه البزار.
وعن علي-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لا أتخوّف على أمّتي مؤمنا، ولا مشركا، فأمّا المؤمن؛ فيحجزه إيمانه، وأما المشرك؛ فيقمعه كفره، ولكن أتخوّف عليكم منافقا عالم اللسان، يقول ما تعرفون، ويعمل ما تنكرون». رواه الطبراني في الصغير، والأوسط.
وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«الربانية أسرع إلى فسقة القراء منهم إلى عبدة الأوثان، فيقولون: يبدأ بنا قبل عبدة الأوثان؟ فيقال لهم: ليس من يعلم كمن لا يعلم». رواه الطبراني، وأبو نعيم. وحديث الثلاثة الذين هم أول خلق الله تسعر بهم النار يوم