هذا؛ وقد قال تعالى مخاطبا اليهود اللؤماء الذين يتمنون الأماني الكاذبة:{قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} الاية رقم [٩٤] من سورة (البقرة).
هذا؛ وقال الشيخ مصطفى الغلاييني-رحمه الله تعالى-: الغالب في (زعم) أن تستعمل للظن الفاسد، وهو حكاية قول يكون مظنة للكذب، فيقال فيما يشك فيه، أو فيما يعتقد كذبه، ولذلك يقولون: زعموا: مطيّة الكذب؛ أي: إن هذه الكلمة مركب للكذب، ومن عادة العرب:
أنّ من قال كلاما؛ وكان عندهم كاذبا؛ قالوا: زعم فلان. ولهذا جاء في القرآن الكريم في كلّ موضع ذمّ القائلون به. وقد يراد الزعم بمعنى القول مجردا عن معنى الظن الراجح، أو الفاسد، أو المشكوك فيه، فإن كانت (زعم) بمعنى: تأمّر، وترأس. أو بمعنى كفل به تعدت إلى واحد بحرف الجر، تقول: زعم على القوم، فهو زعيم؛ أي: تأمّر عليهم، وترأسهم، وزعم بفلان، وبالمال؛ أي: كفله، وضمنه. وتقول: زعم اللبن؛ أي: أخذ يطيب، فهو لازم. انتهى. وقال الأشموني: وإن كانت بمعنى: سمن، أو هزل؛ فهي لازمة. انتهى.
أقول: ولا تنس الكفالة، والضمان من (زعم) قوله تعالى: {قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} سورة (يوسف) رقم [٧٢]، وقوله جل ذكره في سورة (القلم):
{سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ}. بعد هذا أقول: إن (زعم) من الأفعال التي تنصب مفعولين، أصلهما مبتدأ، وخبر إن كان من أفعال الرجحان، والأكثر أن يسد مسدهما: أنّ واسمها، وخبرها مخففة من الثقيلة، أو غيرها، نحو قوله تعالى:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} سورة (التغابن) رقم [٧]، وقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ..}. إلخ سورة (النساء) رقم [٦٠]. انظر شواهد ذلك في كتابنا:«فتح رب البرية»، والقليل أن تنصب مفعولين صريحين. وهو ناقص التصرف، يأتي منه ماض، ومضارع، ولا يأتي منه أمر.
هذا؛ و (الولي لله): العارف بالله تعالى على حسب ما يمكن، المواظب على الطاعات، المعرض عن الانهماك في اللذات، والشهوات. وفيه وجهان: أحدهما: أنه فعيل بمعنى:
مفعول، كقتيل بمعنى: مقتول، وجريح بمعنى مجروح، فعلى هذا: هو من يتولى الله رعايته، وحفظه، فلا يكله إلى غيره، ونفسه لحظة، كما قال تعالى:{وَهُوَ يَتَوَلَّى الصّالِحِينَ}. والوجه الثاني: أنه فعيل مبالغة من فاعل، كرحيم، وعليم، بمعنى: راحم، وعالم، فعلى هذا: هو من يتولى عبادة الله تعالى، من غير أن يتخللها عصيان، أو فتور. وكلا المعنيين شرط في الولاية، فمن شرط الولي أن يكون محفوظا، كما أن من شرط النبي أن يكون معصوما، فكل من كان للشرع عليه اعتراض؛ فليس بولي، بل هو مغرور مخادع. ذكره الإمام أبو القاسم القشيري، وغيره من أئمة الطريقة، رحمهم الله تعالى. انتهى. من شرح ألفاظ الزبد للشيخ أحمد بن