فإذا نزل؛ أقام الصلاة، ثم كان أبو بكر، وعمر، وعلي بالكوفة على ذلك، حتى كان عثمان، وكثر الناس، وتباعدت المنازل؛ زاد أذانا آخر، فأمر بالتأذين أولا على داره؛ التي تسمى:
الزوراء، فإذا سمعوا؛ أقبلوا حتى إذا جلس على المنبر؛ أذن المؤذن ثانيا، ولم يخالفه أحد في ذلك الوقت، لقوله صلّى الله عليه وسلّم:«عليكم بسنّتي، وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي». انتهى. جمل نقلا عن الخطيب.
هذا؛ وقال الزمخشري: وعن عثمان-رضي الله عنه-: أنه صعد المنبر، فقال: الحمد لله.
وأرتج عليه، فقال: إن أبا بكر، وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا، وإنكم إلى إمام فعّال أحوج منكم إلى إمام قوّال، وستأتيكم الخطب، ثم نزل، وكان ذلك بحضرة الصحابة، ولم ينكر عليه أحد. قال أبو حنيفة-رحمه الله تعالى-: إن اقتصر الخطيب على مقدار يسمى: ذكر الله، كقوله: الحمد لله، سبحان الله؛ جاز.
قال أحمد محشي الكشاف: الزمخشري ساه بلا اشتباه، فإن عثمان لم يصدر ذلك منه في خطبة الجمعة، وإنما كان ذلك في ابتداء خلافته، وصعوده المنبر للبيعة، وكانت عادة العرب الخطب في المهمات، ألا ترى إلى قوله: وستأتيكم بعد ذلك الخطب، فإن ذلك يحقق: أن مقالته هذه ليست بخطبة الجمعة، ولو كانت في الجمعة؛ لكان تاركا للخطبة بالكلية، وهي منقولة في التاريخ: أنه أرتج عليه، فقال: سيجعل الله بعد عسر يسرا، وبعد عيّ بيانا، وإنكم إلى إمام فعّال أحوج منكم إلى إمام قوّال، وستأتيكم الخطب. انتهى.
{مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} أي: في يوم الجمعة. قيل: أول من سماها جمعة: كعب بن لؤي الجد الثامن للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولعمر بن الخطاب-رضي الله عنه-وكان يقال لها: العروبة. وقيل: إن الأنصار قالوا: لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى مثل ذلك، فهلموا نجعل لنا يوما نجتمع فيه، فنذكر الله فيه، ونصلي، فقالوا: يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى، فاجعلوه يوم العروبة، فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة، فصلى بهم يومئذ ركعتين، وذكرهم، فسموه يوم الجمعة لاجتماعهم فيه، فأنزل الله آية الجمعة، فهي أول جمعة كانت في الإسلام. وأما أول جمعة جمعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فهي أنه لما قدم المدينة مهاجرا؛ نزل قباء على بني عمرو بن عوف، وأقام بها يوم الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، وأسس مسجدهم، ثم خرج يوم الجمعة عامدا المدينة، فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم، فخطب، وصلى الجمعة. {فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ} أي: فامضوا إليه، واعملوا له. وليس المراد من السعي:
الإسراع في المشي، وإنما المراد منه: العمل. وكان عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-يقرأ:
«(فامضوا إلى ذكر الله)». وقال الحسن-رحمه الله تعالى-: أما والله ما هو بالسعي على الأقدام، ولقد نهوا أن يأتوا إلى الصلاة إلا وعليهم السكينة، والوقار، ولكن بالقلوب، والنية، والخشوع.