للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن قتادة في هذه الاية، قال: السعي: أن تسعى بقلبك، وعملك، وهو المشي إليها، وكان يتأول قوله تعالى: {فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} بقوله: فلما مشى معه، وقال تعالى في سورة (النجم):

{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى} وقال زهير في معلقته رقم [١٦]: [الطويل] سعى ساعيا غيظ بن مرّة بعدما... تبزّل ما بين العشيرة بالدّم

والمعنى: فاعملوا على المضي إلى ذكر الله، واشتغلوا بأسبابه من الغسل، والتطهر، والتوجه إليه. هذا؛ والمراد بذكر الله الخطبة، أو الصلاة. قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-:

فإن قلت: كيف يفسر ذكر الله بالخطبة، وفيها ذكر غير الله؟! قلت: ما كان من ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والثناء عليه، وعلى خلفائه الراشدين، وأتقياء المؤمنين، والموعظة، والتذكير، فهو في حكم ذكر الله، وأما ما عدا ذلك من ذكر الظلمة، وألقابهم، والثناء عليهم، والدعاء لهم، وهم أحقاء بعكس ذلك؛ فمن ذكر الشيطان، وهو من ذكر الله على مراحل. انتهى. وهو حسن وجيد.

هذا؛ ورد أحمد بن المنير الإسكندري كلام الزمخشري بما لا طائل له، ولا وجه له قطعا، فيبقى الحق حليف الزمخشري، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والماب.

{وَذَرُوا الْبَيْعَ} أي: اتركوا البيع، والشراء؛ لأن البيع اسم يتناولهما جميعا، وهو من لوازمه، وإنما يحرم البيع والشراء عند الأذان الثاني. وقال الزهري: عند خروج الإمام. وقال الضحاك: إذا زالت الشمس؛ حرم البيع والشراء. هذا؛ وقد اكتفى بذكر البيع عن ذكر الشراء؛ لأن البيع لا يخلو عن شراء، كما اكتفى بذكر الحرّ عن ذكر البرد في قوله تعالى في سورة (النحل) رقم [٨١]: {سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ}.

قال الزمخشري: وإنما خص البيع بالذكر؛ لأن يوم الجمعة يوم يهبط الناس فيه من قراهم، وبواديهم، وينصبّون إلى المصر من كل أوب، ووقت هبوطهم واجتماعهم، واغتصاص الأسواق بهم؛ إذا انتفخ النهار، وتعالى الضحى، ودنا وقت الظهيرة، وحينئذ تحرّ التجارة، ويتكاثر البيع، والشراء، فلما كان ذلك الوقت مظنّة الذهول بالبيع عن ذكر الله، والمضي إلى المسجد، قيل لهم: بادروا تجارة الاخرة، واتركوا تجارة الدنيا. {خَيْرٌ لَكُمْ} أي: السعي إلى ذكر الله خير لكم من البيع والشراء، فإن نفع الاخرة خير، وأبقى، وأنفع، وأجدى من نفع الدنيا. {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ:} الشر، والخير الحقيقيين، أو إن كنتم من أهل العلم. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} انظر الاية رقم [٦] فالإعراب لا يتغير. {إِذا:} ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {نُودِيَ:} فعل ماض مبني للمجهول. {لِلصَّلاةِ:} جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل {نُودِيَ،} والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على المشهور المرجوح. {مِنْ يَوْمِ:} متعلقان بالفعل {نُودِيَ} وهذا على اعتبار {مِنْ} بمعنى في. وقال

<<  <  ج: ص:  >  >>