{تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ..}. إلخ قوله: {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} فأرسل إليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم قال: «إن الله قد صدقك». خرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. انتهى. قرطبي.
أقول: ما أشبه هذه الحادثة بما ذكرته في سورة (التوبة) رقم [٧٤] وهي قوله تعالى:
{يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ}. هذا؛ وروي: أن عمر-رضي الله عنه-قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: دعني أضرب عنق هذا المنافق يا رسول الله! فقال: «إذا ترعد أنف كثيرة بيثرب». قال:
فإن كرهت أن يقتله مهاجر فاؤمر به أنصاريا يقتله. قال: «فكيف إذا تحدث الناس: أن محمدا يقتل أصحابه؟».
وقال محمد بن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن عبد الله بن عبد الله بن أبيّ لما بلغه ما كان من أمر أبيه أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله! بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبيّ فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا؛ فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني، إني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبيّ يمشي في الناس، فأقتله، فأقتل مؤمنا بكافر، فأدخل النار، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بل نترفق به، ونحسن صحبته ما بقي معنا».
وفي رواية للترمذي، ومثله في سيرة ابن إسحاق: وكان عبد الله بن أبيّ يقرب من المدينة، فلما أراد أن يدخلها جاءه ابنه عبد الله؛ حتى أناخ راحلته على مجامع طرق المدينة، فلما جاء عبد الله بن أبيّ. قال له ابنه: وراءك. قال: ويلك! مالك؟ قال: والله لا تدخلها أبدا إلا أن يأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولتعلمنّ اليوم من الأعز من الأذل. فشكا عبد الله بن أبيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما صنع ابنه عبد الله-رضي الله عنه-وأرضاه، فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليه: أن «خلّ عنه يدخل».
فقال الابن-رضي الله عنه-: أما إذ جاء أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ فنعم. فدخل.
وقال الحميدي في مسنده قال الابن لأبيه: والله لا تدخل المدينة حتى تقول: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأعز، وأنا الأذل. انتهى. أقول: وهذا هو الإيمان! وانظر ما ذكرته في آخر سورة (المجادلة)، تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
{إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ} أي: حضر مجلسك المنافقون، كعبد الله بن أبيّ وأصحابه. {قالُوا} أي: بألسنتهم على خلاف ما في قلوبهم. {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ:} أرادوا شهادة وافقت فيها قلوبهم ألسنتهم. قال القرطبي قيل: معنى (نشهد): نحلف، فعبر عن الحلف بالشهادة؛ لأن كل واحد من الحلف، والشهادة إثبات لأمر مغيب. ومنه قول قيس بن ذريح: [الطويل] وأشهد عند الله أنّي أحبّها... فهذا لها عندي فما عندها ليا؟
ثم قال: ويحتمل أن يكون ذلك محمولا على ظاهره: أنهم يشهدون: أن محمدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، اعترافا بالإيمان، ونفيا للنفاق عن أنفسهم. وهو الأشبه. {وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} أي: هو