وأجسام بلا أحلام، كما قدمت آنفا. هذا؛ وقرئ {خُشُبٌ} بضم الشين وسكونها، وانظر ما ذكرته في:«سبل» عن عيسى بن عمر في الاية السابقة. وفي الجملة تشبيه تمثيلي مرسل.
{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} يعني: أنهم لا يسمعون صوتا في العسكر بأن ينادي مناد لأمر ما، بأن تنفلت دابة، أو تنشد ضالة؛ إلا ظنوا: أنهم المرادون، وظنوا قد أتوا؛ لما في قلوبهم من الرعب، والجبن، والهلع، كما قال تعالى عنهم:{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} الاية رقم [١٩] من سورة (الأحزاب). ففي الجملة تشبيه تمثيلي أيضا. قال الأخطل التغلبي في هجاء جرير:[الكامل] ما زلت تحسب كلّ شيء بعدهم... خيلا تكرّ عليهم ورجالا
وقيل: يحسبون كل صيحة يسمعونها في المسجد: أنها عليهم، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أمر فيها بقتلهم، فهم أبدا وجلون من أن ينزل الله فيهم أمرا يبيح به دماءهم، ويهتك أستارهم. وفي هذا المعنى قول العوّام بن شوذب الشيباني، وهو الشاهد رقم [٤٨٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب». [الطويل] فلو أنّها عصفورة لحسبتها... مسوّمة تدعو عبيدا وأزنما
وقال أحمد محشي الكشاف، وغلا المتنبي في المعنى، فقال:[البسيط] وضاقت الأرض حتّى صار هاربهم... إذا رأى غير شيء ظنّه رجلا
{هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} أي: لا تأمنهم، فإنهم-وإن كانوا معك، ويظهرون تصديقك- أعداؤك، فاحذرهم ولا تأمنهم على سرك؛ لأنهم عيون لأعدائك من الكفار، ينقلون إليهم أسرارك. وفي الكشاف: هم الكاملون في العداوة؛ لأن أعدى الأعداء العدو المداجي؛ الذي يكاشرك، وتحت ضلوعه الداء الدّويّ.
{قاتَلَهُمُ اللهُ:} دعاء عليهم، وهو طلب من ذاته أن يلعنهم، أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك. انتهى. بيضاوي. قال القرطبي: وهي كلمة ذم وتوبيخ، وقد تقول العرب: قاتله الله ما أشعره! فيضعونه موضع التعجب. {أَنّى يُؤْفَكُونَ} أي: كيف يصرفون عن الحق، والرشد، وانظر ما ذكرته في الاية رقم [٩] من سورة (الذاريات) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
هذا؛ وفي مختصر ابن كثير ما يلي: وفي الحديث: «إن للمنافقين علامات يعرفون بها:
تحيتهم لعنة، وطعامهم نهبة، وغنيمتهم غلول، ولا يقربون المساجد إلا هجرا، ولا يأتون الصلاة إلا دبرا، مستكبرين، لا يألفون، ولا يؤلفون، خشب بالليل، صخب بالنهار». أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة-رضي الله عنه-مرفوعا. انتهى.
الإعراب:(إذا): انظر الاية رقم [١]. {رَأَيْتَهُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذا) إليها على المشهور المرجوح، واكتفى الفعل بمفعول واحد؛