للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلدنا المدينة المنورة. {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ:} عنى بالأعز نفسه الخبيثة، وبالأذل النبي صلّى الله عليه وسلّم. وانظر ما فعل به ابنه-رضي الله عنه-فيما سبق، وقرئ الفعل بقراآت كثيرة. {وَلِلّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ:} فعزة الله تعالى: قهره، وغلبته على من دونه. وعزة رسوله: إظهار دينه على الأديان كلها. وعزة المؤمنين: نصر الله إياهم على أعدائهم. هذا؛ وسئل محمد بن سحنون عن معنى قوله تعالى في آخر سورة (الصافات): {رَبِّ الْعِزَّةِ} لم جاز ذلك، والعزة من صفات الذات، ولا يقال: رب القدرة، ونحوها من صفات ذاته جل وعز؟ فقال: العزة تكون صفة ذات، وصفة فعل، فصفة الذات، نحو قوله تعالى: {فَلِلّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} الاية رقم [١٠] من سورة (فاطر)، وصفة الفعل، نحو قوله تعالى: {رَبِّ الْعِزَّةِ} والمعنى: رب العزة؛ التي يتعازّ بها الخلق فيما بينهم، فهي من خلق الله عز وجل. وقال الماورديّ: {رَبِّ الْعِزَّةِ} يحتمل وجهين: أحدهما:

مالك العزة. والثاني: رب كل شيء متعزّز من ملك، أو متجبر. انتهى. قرطبي من سورة (الصافات). {وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ:} أن العزة لله، ولرسوله، وللمؤمنين، ولو علموا ذلك ما قالوا هذه المقالة الخبيثة. قال أصحاب السير: لم يلبث ابن أبيّ بعد أن قال هذه المقالة إلا أياما قلائل؛ حتى مرض، ومات على نفاقه، انظر الاية رقم [٨٥] من سورة (التوبة): {وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً..}. إلخ.

ففيها بحث جيد يتعلق فيه، ولا تنس الطباق بين {الْأَعَزُّ} و {الْأَذَلَّ} وهو من المحسنات البديعية.

تنبيه: ختم الله هذه الاية ب‍: {لا يَعْلَمُونَ} وختم ما قبله ب‍: {لا يَفْقَهُونَ؛} لأن الأول متصل بقوله جل ذكره: {وَلِلّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} لأن في معرفتها غموضا يحتاج إلى فطنة، وفقه، فناسب نفي الفقه عنهم، والثاني متصل بقوله جلت قدرته: {وَلِلّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} وفي معرفتها غموض زائد يحتاج إلى علم، فناسب نفي العلم عنهم، فالمعنى: لا يعلمون: أن الله معز أولياءه، ومذل أعداءه. والحاصل: أنه لما أثبت المنافقون لفريقهم إخراج المؤمنين من المدينة؛ أثبت الله تعالى في الرد عليهم صفة العزة لغير فريقهم، وهو الله ورسوله، والمؤمنون. انتهى. جمل نقلا عن كرخي.

تنبيه: العزة غير الكبر، ولا يحل للمسلم أن يذل نفسه، فالعزة: معرفة الإنسان بحقيقة نفسه، والكبر: جهل الإنسان بنفسه. قيل للحسن بن علي-رضي الله عنهما-: إن الناس يزعمون: أن فيك كبرا، وتيها! فقال: ليس بتيه، ولكنه عزة المسلم، ثم تلا الاية: {وَلِلّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {يَقُولُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله. {لَئِنْ:} (اللام): موطئة لقسم محذوف. (إن): حرف شرط جازم. {رَجَعْنا:} فعل ماض مبني على السكون في محل جزم

<<  <  ج: ص:  >  >>