للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجعة عند الموت، فقال رجل: يا بن عباس! اتق الله؛ فإنما يسأل الرجعة الكفار، فقال:

سأتلو عليك بذلك قرآنا: {وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ..}. إلخ. {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ} أي:

فأتصدق، وأحسن عملي، وأصبح تقيا صالحا. قال ابن كثير: كل مفرط يندم عند الاحتضار، ويسأل طول المدة؛ ليستدرك ما فات، ولكن هيهات!.

وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أحد يموت إلاّ ندم».

قالوا: وما ندامته يا رسول الله؟! قال: «إن كان محسنا؛ ندم أن لا يكون ازداد، وإن كان مسيئا ندم أن لا يكون نزع». رواه الترمذي، والبيهقي.

قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هذه الاية أشد على أهل التوحيد؛ لأنه لا يتمنى الرجوع في الدنيا، أو التأخير فيها أحد له عند الله خير في الاخرة. هذا؛ ويكون الإنفاق فرضا كالزكاة الواجبة، والكفارات على أنواعها، ويكون تطوعا، وتقربا إلى الله تعالى، والفعل الماضي: أنفق، وهو رباعي الحروف، ويكون ثلاثيا: نفق. قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-:

إن كل ما فاؤه نون، وعينه فاء يدل على معنى الخروج، والذهاب، مثل: نفق، ونفش، ونفخ، ونفذ... إلخ.

هذا؛ والصلاح درجة عالية، ومكانة رفيعة، ولذلك سأل الله هذه المنزلة يوسف عليه السّلام قبل وفاته، وقد حكى القرآن ذلك: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ} وسألها إبراهيم عليه السّلام، وحكاها القرآن عنه: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ} سورة (الشعراء) رقم [٨٣]، وطلبها سليمان عليه السّلام، وحكاها القرآن عنه: {وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ،} سورة (النمل) رقم [١٩]. وقال تعالى في حق إسماعيل، وإدريس، وذي الكفل-على نبينا، وعليهم جميعا ألف تحية وسلام-في سورة (الأنبياء) رقم [٨٦]: {وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصّالِحِينَ} وقال تعالى في سورة (الأنعام) رقم [٨٥]: {وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ} ومثل ذلك كثير في كتاب الله. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {وَأَنْفِقُوا:} (الواو): حرف عطف. (أنفقوا): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة على جملة: {لا تُلْهِكُمْ..}. إلخ لا محل لها مثلها. {مِنْ ما:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل نصب مفعول به، و {ما} تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر ب‍: {مِنْ،} والجملة الفعلية صلة {ما} أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير:

من الذي، أو من شيء رزقناكموه. وعلى اعتبار {ما} مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في

<<  <  ج: ص:  >  >>