استحقاقها السكنى، وملازمتها مسكن الفراق، فلا يجوز لها الخروج إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت؛ أثمت، ولا تنقطع العدة. والرجعية، والمبتوتة في هذا سواء، وهذا لصيانة ماء الرجل.
وفي صحيح الحديث: عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال: طلّقت خالتي، فأرادت أن تجدّ نخلها، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال:«بلى فجدّي نخلك فإنك عسى أن تصدّقي، أو تفعلي معروفا». خرجه مسلم. ففي هذا الحديث دليل لمالك، والشافعي، وابن حنبل، والليث على قولهم: إن المعتدة تخرج بالنهار في حوائجها، وإنما تلزم منزلها بالليل، وسواء عند مالك كانت رجعية، أو بائنة، وقال الشافعي في الرجعية: لا تخرج ليلا، ولا نهارا، وإنما تخرج نهارا المبتوتة، وقال أبو حنيفة: ذلك في المتوفّى عنها زوجها، وأما المطلقة؛ فلا تخرج لا ليلا ولا نهارا. والحديث يرد عليه. انتهى. قرطبي. وهذا المسكن سواء أكان بملك، أو كراء، أو عارية، فإن استرده المكري، أو المعير يجب على الزوج أن يكتري، أو يستعير لها بدله؛ لأنه يجب عليه تأمين مسكن لها.
{إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ:} قرئ بفتح الياء وكسرها. قيل: هي الزنى، يعني: إلا أن يزنين، فيخرجن لإقامة الحد عليهن. وقيل: إلا أن يطلقن على النشوز، والنشوز يسقط حقها في السكنى. وقيل: إلا أن يبذون على الأحماء، والأصهار، فقد روي عن سعيد بن المسيب: أنه قال في فاطمة: تلك امرأة استطالت على أحمائها بلسانها، فأمرها النبي صلّى الله عليه وسلّم أن تنتقل. وروي:
أن عائشة-رضي الله عنها-قالت لها: اتّقي الله فإنك تعلمين لم أخرجت؟ وعن ابن عمر، والسدي: الفاحشة خروجها من بيتها في العدة. وتقدير الكلام: إلا أن يأتين بفاحشة مبينة بخروجهن من بيوتهن بغير حق؛ أي: لو خرجت كانت عاصية. انتهى. كشاف، وقرطبي. هذا؛ ومن المبيح لها الخروج من المسكن الذي وقع فيه الطلاق، بأن تخاف هدما، أو غرقا، كذلك إذا كان لها حاجة ضرورية من بيع غزل، أو شراء قطن؛ جاز لها الخروج نهارا، ولا يجوز ليلا يدل على ذلك أن رجالا استشهدوا بأحد، فقالت نساؤهم: نستوحش في بيوتنا. فأذن لهن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يتحدثن عند إحداهن، فإذا كان وقت النوم تأوي كل امرأة إلى بيتها. فإذا لزمتها العدة في السفر تعتد في أهلها ذاهبة، وراجعة، والبدوية تتبوأ حيث يتبوأ أهلها في العدة؛ لأن الانتقال في حقهم كالإقامة في حق المقيم. انتهى. خازن.
بقي أن تعرف هل يقع الطلاق ثلاثا بلفظ الثلاث؟ المعتمد: أنه يقع، الدليل ما رواه الدارقطني عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه: أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته تماضر بنت الأصبغ الكلبية، وهي أم أبي سلمة ثلاث تطليقات في كلمة واحدة، فلم يبلغنا: أن أحدا من أصحابه عاب عليه ذلك. قال: وحدثنا سلمة بن سلمة عن أبيه: أن حفص بن المغيرة طلق امرأته فاطمة بنت قيس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث تطليقات في كلمة، فأبانها منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم يبلغنا: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم عاب ذلك عليه. انتهى. قرطبي.