وروي: أن رجلا طلق امرأته ثلاثا بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«أتلعبون بكتاب الله، وأنا بين أظهركم؟». وفي حديث ابن عمر-رضي الله عنهما-: أنه قال:
يا رسول الله! أرأيت لو طلقتها ثلاثا؟ فقال له:«إذا عصيت، وبانت منك امرأتك». وعن عمر -رضي الله عنه-أنه كان لا يؤتى برجل طلق امرأته ثلاثا إلا أوجعه ضربا، وأجاز ذلك عليه.
انتهى. كشاف.
{وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ:} الإشارة إلى ما ذكر من الأحكام في هذه الاية، والحدود جمع: حد، وهو في اللغة: الحاجز بين شيئين متجاورين، والمراد هنا: الحد الفاصل بين الحلال، والحرام، فلذا يعاقب من تجاوزه بالحد، وهو العقوبة المقررة لذلك.
{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ} أي: فيطلق لغير السنة، أو تجاوز هذه الأحكام، ومن أهم تعدي حدود الله أن يظلمها، ويجوز عليها؛ حتى يحملها على التنازل عن بعض حقوقها. {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ:} وذلك بتعريضها للعقاب، وحرمانها من رحمة الله، ورضوانه. وقد أظهر {حُدُودُ} وهو محل إضمار للتهويل، والتهديد. {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ..}. إلخ الأمر الذي يحدثه الله أن يقلّب قلبه من بغضها إلى محبتها، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، والعكس صحيح إن كان البغض من جانبها، والرغبة عن الزوج من قبلها. وهذا كثير، وواقع في زمننا، والمعنى: فطلقوهن لعدتهن، وأحصوا ابتداء العدة، وانتهائها، لعلكم ترغبون، وتندمون، فتراجعون، ولا تنس الالتفات من الغيبة إلى الخطاب لمزيد الاهتمام بالأحكام المذكورة، والخطاب يعم كل عاقل، والخطاب للمعتدي لا للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وذلك بقوله:{لا تَدْرِي}.
خاتمة: قال ابن القيم: إن الله تعالى لما كان يبغض الطلاق، لما فيه من انفصام عرى الزوجية، وموافقة عدوه إبليس؛ حيث يفرح بافتراق الزوجين، وكان مع ذلك يحتاج إليه الزوج، أو الزوجة؛ شرعه على وجه تحصل به المصلحة، وتندفع به المفسدة، وحرمه على غير ذلك الوجه، فشرع له أن يطلقها طاهرا من غير جماع طلقة واحدة، ثم يتركها حتى تنقضي عدتها، فإن زالت أسباب الخلاف، وحصلت الموافقة أثناء عدتها؛ كان له سبيل إلى إعادتها، وجعل الله العدة ثلاثة قروء ليطول زمن المهلة والاختيار، فهذا هو الذي شرعه الله، وأذن فيه. انتهى.
صفوة التفاسير.
فقد روى الثعلبي من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق». وعن علي-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«تزوجوا، ولا تطلقوا، فإن الطلاق يهتزّ منه العرش». وعن أبي موسى-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تطلّقوا النساء إلا من ريبة، فإن الله عز وجل لا يحب الذوّاقين، ولا الذوّاقات».
وعن أنس-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما حلف بالطلاق، ولا استحلف به إلا